تفسير الآية 43 من سورة يونس من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ
سورة يونس : 43القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 43 من سورة يونس بالمصحف الشريف:
ومن المشركين من ينظر إليك - أيها الرسول - ببصره الظاهر لا ببصيرته، أفأنت تستطيع تبصير الذين سلبت أبصارهم؟! إنك لا تستطيع ذلك، وكذلك لا تستطيع هداية فاقد البصيرة.
ومِنَ الكفار مَن ينظر إليك وإلى أدلة نبوتك الصادقة، ولكنه لا يبصر ما آتاك الله من نور الإيمان، أفأنت -أيها الرسول- تقدر على أن تخلق للعمي أبصارًا يهتدون بها؟ فكذلك لا تقدر على هدايتهم إذا كانوا فاقدي البصيرة، وإنما ذلك كلُّه لله وحده.
ثم ذكر انسداد الطريق الثاني، وهو: طريق النظر فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} فلا يفيده نظره إليك، ولا سبر أحوالك شيئًا، فكما أنك لا تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون، فكذلك لا تهدي هؤلاء.
فإذا فسدت عقولهم وأسماعهم وأبصارهم التي هي الطرق الموصلة إلى العلم ومعرفة الحقائق، فأين الطريق الموصل لهم إلى الحق؟
ودل قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} الآية، أن النظر إلى حالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهديه وأخلاقه وأعماله وما يدعو إليه من أعظم الأدلة على صدقه وصحة ما جاء به، وأنه يكفي البصير عن غيره من الأدلة.
( ومنهم من ينظر إليك ) بأبصارهم الظاهرة ، ( أفأنت تهدي العمي ) يريد عمى القلب ، ( ولو كانوا لا يبصرون ) وهذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول : إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ، ولا أن تهدي من سلبته البصر ، ولا أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن .
( ومنهم من ينظر إليك ) أي : ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة ، والسمت الحسن ، والخلق العظيم ، والدلالة الظاهرة ، على نبوءتك لأولي البصائر والنهى ، وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم ، ولا يحصل لهم من الهداية شيء مما يحصل لغيرهم ، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار ، والكافرون ينظرون إليك بعين الاحتقار ، ( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ) [ الفرقان : 41 ، 42 ] .
ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحدا شيئا ، وإن كان قد هدى به من هدى [ من الغي ] وبصر به من العمى ، وفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، وأضل به عن الإيمان آخرين ، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء ، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، لعلمه وحكمته وعدله
القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ (43)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المشركين، مشركي قومِك، من ينظر إليك ، يا محمد، ويرى أعلامك وحُججَك على نبوتك، ولكن الله قد سلبه التوفيقَ فلا يهتدي، ولا تقدر أن تهديه، كما لا تقدر أن تحدِث للأعمى بصرًا يهتدي به ، (أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون)، يقول: أفأنت يا محمد ، تحدث لهؤلاء الذين ينظرون إليك وإلى أدلتك وحججك ، فلا يوفَّقون للتصديق بك أبصارًا ، لو كانوا عُمْيًا يهتدون بها ويبصرون؟ فكما أنك لا تطيق ذلك ولا تقدر عليه ولا غيرك، ولا يقدر عليه أحدٌ سواي، فكذلك لا تقدر على أن تبصِّرهم سبيلَ الرشاد أنت ولا أحدٌ غيري، لأن ذلك بيدي وإليّ.
وهذا من الله تعالى ذكره تسليةٌ لنبيه صلى الله عليه وسلم عن جماعةٍ ممن كفر به من قومه وأدبر عنه فكذب، وتعزية له عنهم، وأمرٌ برفع طمعه من إنابتهم إلى الإيمان بالله.
* * *