تفسير الآية 4 من سورة التوبة من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
سورة التوبة : 4القول في تأويل وتفسير قوله تعالى إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 4 من سورة التوبة بالمصحف الشريف:
إلا الذين عاهدتم من المشركين، ووفوا بعهدكم، ولم ينقصوا منه شيئًا، فهم مُسْتَثنَوْنَ من الحكم السابق، فأكملوا لهم الوفاء بعهدهم حتى تنقضي مدته، إن الله يحب المتقين بامتثال أوامره ومنها الوفاء بالعهد، وباجتناب نواهيه ومنها الخيانة.
ويُستثنى من الحكم السابق المشركون الذين دخلوا معكم في عهد محدد بمدة، ولم يخونوا العهد، ولم يعاونوا عليكم أحدا من الأعداء، فأكملوا لهم عهدهم إلى نهايته المحدودة. إن الله يحب المتقين الذين أدَّوا ما أمروا به، واتقوا الشرك والخيانة، وغير ذلك من المعاصي.
أي هذه البراءة التامة المطلقة من جميع المشركين. {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} واستمروا على عهدهم، ولم يجر منهم ما يوجب النقض، فلا نقصوكم شيئًا، ولا عاونوا عليكم أحدا، فهؤلاء أتموا لهم عهدهم إلى مدتهم، قَلَّتْ، أو كثرت، لأن الإسلام لا يأمر بالخيانة وإنما يأمر بالوفاء. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} الذين أدوا ما أمروا به، واتقوا الشرك والخيانة، وغير ذلك من المعاصي.
( إلا الذين عاهدتم من المشركين ) هذا استثناء من قوله : " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " إلا من عهد الذين عاهدتم من المشركين ، وهم بنو ضمرة ، حي من كنانة ، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بإتمام عهدهم إلى مدتهم ، وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر ، وكان السبب فيه : أنهم لم ينقضوا العهد ، وهذا معنى قوله تعالى : ( ثم لم ينقصوكم شيئا ) من عهدهم الذي عاهدتموهم عليه ، ( ولم يظاهروا ) لم يعاونوا ، ( عليكم أحدا ) من عدوكم . وقرأ عطاء بن يسار : " لم ينقضوكم " بالضاد المعجمة من نقض العهد ، ( فأتموا إليهم عهدهم ) فأوفوا لهم بعهدهم ، ( إلى مدتهم ) إلى أجلهم الذي عاهدتموهم عليه ، ( إن الله يحب المتقين ) .
هذا استثناء من ضرب مدة التأجيل بأربعة أشهر ، لمن له عهد مطلق ليس بمؤقت ، فأجله ، أربعة أشهر يسيح في الأرض ، يذهب فيها لينجو بنفسه حيث شاء ، إلا من له عهد مؤقت ، فأجله إلى مدته المضروبة التي عوهد عليها ، وقد تقدمت الأحاديث : ومن كان له عهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعهده إلى مدته وذلك بشرط ألا ينقض المعاهد عهده ، ولم يظاهر على المسلمين أحدا ، أي : يمالئ عليهم من سواهم ، فهذا الذي يوفى له بذمته وعهده إلى مدته ؛ ولهذا حرض الله تعالى على الوفاء بذلك فقال : ( إن الله يحب المتقين ) أي : الموفين بعهدهم .
القول في تأويل قوله : إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ،, إلا من عَهْدِ الذين عاهدتم من المشركين، أيها المؤمنون (58) =(ثم لم ينقصوكم شيئا)، من عهدكم الذي عاهدتموهم =(ولم يظاهروا عليكم أحدًا)، من عدوكم, فيعينوهم بأنفسهم وأبدانهم, ولا بسلاح ولا خيل ولا رجال (59) =(فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم)، يقول: فَفُوا لهم بعهدهم الذي عاهدتموهم عليه, (60) ولا تنصبوا لهم حربًا إلى انقضاء أجل عهدهم الذي بينكم وبينهم =(إن الله يحب المتقين)، يقول: إن الله يحب من اتقاه بطاعته، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. (61)
16471- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم)، يقول: إلى أجلهم.
16472- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (إلا الذين عاهدتم من المشركين)، : أي العهد الخاص إلى الأجل المسمى =(ثم لم ينقصوكم شيئا)، الآية. (62)
16473- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا)، الآية, قال: هم مشركو قريش، الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر. فأمر الله نبيه أن يوفي لهم بعهدهم إلى مدتهم, ومن لا عهد له إلى انسلاخ المحرم, ونبذ إلى كل ذي عهد عهده, وأمره بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله, وأن لا يقبل منهم إلا ذلك.
16474- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: مدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنـزل " براءة " أربعة أشهر، من يوم أذن ببراءة إلى عشر من شهر ربيع الآخر, وذلك أربعة أشهر. فإن نقضَ المشركون عهدهم، وظاهروا عدوًّا فلا عهد لهم. وإن وفوْا بعهدهم الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يظاهروا عليه عدوًّا, فقد أمر أن يؤدِّي إليهم عهدهم ويفي به.
------------------------
الهوامش :
(58) انظر تفسير " المعاهدة " فيما سلف ص : 21 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(59) انظر تفسير "المظاهرة" فيما سلف 2 : 304 .
(60) انظر تفسير " الإتمام " فيما سلف 13 : 87 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
(61) انظر تفسير " التقوى " فيما سلف من فهارس اللغة ( وقى ) .