تفسير الآية 15 من سورة التوبة من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
سورة التوبة : 15القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 15 من سورة التوبة بالمصحف الشريف:
ويُبْعِد الغيظ عن قلوب عباده المؤمنين بما نالوه من النصر عليهم. ويتوب الله على من يشاء من هؤلاء المعاندين إن تابوا كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح، والله عليم بصدق التائب منهم، حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.
يا معشر المؤمنين قاتلوا أعداء الله يعذبهم عز وجل بأيديكم، ويذلهم بالهزيمة والخزي، وينصركم عليهم، ويُعْلِ كلمته، ويشف بهزيمتهم صدوركم التي طالما لحق بها الحزن والغم من كيد هؤلاء المشركين، ويُذْهِب عن قلوب المؤمنين الغيظ. ومن تاب من هؤلاء المعاندين فإن الله يتوب على من يشاء. والله عليم بصدق توبة التائب، حكيم في تدبيره وصنعه ووَضْع تشريعاته لعباده.
{ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين للّه ولرسوله، ساعين في إطفاء نور اللّه، وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة اللّه لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل ـ من جملة المقاصد الشرعية ـ شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم. ثم قال: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} من هؤلاء المحاربين، بأن يوفقهم للدخول في الإسلام، ويزينه في قلوبهم، ويُكَرِّهَ إليهم الكفر والفسوق والعصيان. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يضع الأشياء مواضعها، ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه، ومن لا يصلح، فيبقيه في غيه وطغيانه.
( ويذهب غيظ قلوبهم ) كربها ووجدها بمعونة قريش بكرا عليهم ، ثم قال مستأنفا : ( ويتوب الله على من يشاء ) فيهديه إلى الإسلام كما فعل بأبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ، ( والله عليم حكيم ) وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : " ارفعوا السيف إلا خزاعة من بني بكر إلى العصر " .
وأعاد الضمير في قوله : ( ويذهب غيظ قلوبهم ) عليهم أيضا .
وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذن لعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - عن مسلم بن يسار ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غضبت أخذ بأنفها ، وقال : يا عويش ، قولي : اللهم رب النبيمحمد اغفر ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن .
ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم ، عن الباغندي ، عن هشام بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون ، عنه .
( ويتوب الله على من يشاء ) أي : من عباده ، ( والله عليم ) أي : بما يصلح عباده ، ( حكيم ) في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية ، فيفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وهو العادل الحاكم الذي لا يجور أبدا ، ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر ، بل يجازي عليه في الدنيا والآخرة .
القول في تأويل قوله : وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: ويذهب وَجْدَ قلوب هؤلاء القوم المؤمنين من خزاعة, (2) على هؤلاء القوم الذين نكثوا أيمانهم من المشركين، وغمَّها وكربَها بما فيها من الوجد عليهم, بمعونتهم بكرًا عليهم، (3) كما:-
16546- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي, عن أسباط, عن السدي: (ويذهب غيظ قلوبهم)، حين قتلهم بنو بكر، وأعانتهم قريش.
16547- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي, مثله = إلا أنه قال: وأعانتهم عليهم قريش. (4)
* * *
وأما قوله: (ويتوب الله على من يشاء)، فإنه خبر مبتدأ, ولذلك رفع، وجُزِم الأحرفُ الثلاثة قبل ذلك على وجه المجازاة, كأنه قال: قاتلوهم، فإنكم إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم, ويخزهم, وينصركم عليهم = ثم ابتدأ فقال: (ويتوب الله على من يشاء)، لأن القتال غير موجب لهم التوبةَ من الله, وهو موجبٌ لهم العذابَ من الله، والخزيَ، وشفاءَ صدور المؤمنين، وذهابَ غيظ قلوبهم, فجزم ذلك شرطًا وجزاءً على القتال, ولم يكن موجبًا القتالُ التوبةَ, فابتُدِئ الخبرُ به ورُفع. (5)
* * *
ومعنى الكلام: ويمنّ الله على من يشاء من عباده الكافرين, فيقبل به إلى التوبة بتوفيقه إياه =(والله عليم)، بسرائر عباده، ومَنْ هو للتوبة أهلٌ فيتوب عليه, ومَنْ منهم غير أهل لها فيخذله =(حكيم)، في تصريف عباده من حال كفر إلى حال إيمان بتوفيقه من وفَّقه لذلك (6) = ومن حال إيمان إلى كفر، بخذلانه من خذل منهم عن طاعته وتوحيده, (7) وغير ذلك من أمرهم. (8)
-----------------------
الهوامش :
(2) انظر تفسير " الإذهاب " فيما سلف 12 : 126 تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(3) انظر تفسير " الغيظ " فيما سلف 7 : 215 .
(4) في المطبوعة : " وأعانهم " ، وفي المخطوطة : " وأعلسهم ، وصواب قراءتها ما أثبت . "
(5) في المطبوعة : " فابتدأ الحكم به " ، والصواب ما أثبت من المخطوطة .
(6) في المطبوعة : " بتوفيق " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(7) السياق : " في تصريف عباده من حال كفر . . . ومن حال إيمان " .
(8) انظر تفسير " تاب " ، و " عليم " ، و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( توب ) ، ( علم ) ، ( حكم ) .