تفسير الآية 63 من سورة يوسف من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
سورة يوسف : 63القول في تأويل وتفسير قوله تعالى فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 63 من سورة يوسف بالمصحف الشريف:
فلما رجعوا إلى أبيهم، وقصوا عليه ما كان من إكرام يوسف لهم قالوا: يا أبانا مُنِع منا الكيل إن لم نأت بأخينا معنا فابعثه معنا، فإنك إن بعثته معنا نكتل الطعام، وإنا لنتعهد لك بحفظه حتى يرجع إليك سالمًا.
فلما رجعوا إلى أبيهم قصُّوا عليه ما كان من إكرام العزيز لهم، وقالوا: إنه لن يعطينا مستقبَلا إلا إذا كان معنا أخونا الذي أخبرناه به، فأرسلْه معنا نحضر الطعام وافيًا، ونتعهد لك بحفظه.
{ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ } أي: إن لم ترسل معنا أخانا، { فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ } أي: ليكون ذلك سببا لكيلنا، ثم التزموا له بحفظه، فقالوا: { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } من أن يعرض له ما يكره.
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا ) إنا قدمنا على خير رجل ، أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من أولاد يعقوب ما أكرمنا كرامته ، فقال لهم يعقوب : إذا أتيتم ملك مصر فأقرئوه مني السلام ، وقولوا له : إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا ، ثم قال : أين شمعون ؟ قالوا : ارتهنه ملك مصر وأخبروه بالقصة ، فقال لهم : ولم أخبرتموه ؟ قالوا : إنه أخذنا ، وقال أنتم جواسيس - حيث كلمناه بلسان العبرانية - وقصوا عليه القصة ، وقالوا يا أبانا :
( منع منا الكيل ) [ قال الحسن : معناه يمنع منا الكيل ] إن لم تحمل أخانا معنا .
وقيل : معناه أعطى باسم كل واحد حملا ومنع منا الكيل لبنيامين والمراد بالكيل : الطعام ، لأنه يكال .
( فأرسل معنا أخانا ) بنيامين ( نكتل ) قرأ حمزة ، والكسائي : ( يكتل ) بالياء ، يعني : يكتل لنفسه كما نحن نكتال ، [ وقرأ الآخرون : ( نكتل ) بالنون ، يعني : نكتل نحن ] وهو الطعام . وقيل : نكتل له ( وإنا له لحافظون ) .
يخبر تعالى عنهم إنهم رجعوا إلى أبيهم ( قالوا ياأبانا منع منا الكيل ) يعنون بعد هذه المرة ، إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين ، فأرسله معنا نكتل .
وقرأ بعضهم : [ يكتل ] بالياء ، أي يكتل هو ، ( وإنا له لحافظون ) أي : لا تخف عليه فإنه سيرجع إليك . وهذا كما قالوا له في يوسف : ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون )
القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم ، ( قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل) ، يقول: منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا , ولم يكل لكل رجُلٍ منّا إلا كيل بعير-(فأرسل معنا أخانا) ، بنيامين يكتلَ لنفسه كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا ، (وإنا له لحافظون) ، من أن يناله مكروه في سفره .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19474- حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامةَ ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته , وإنه ارتهن شمعون , وقال: ائتوني بأخيكم هذا الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك , فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي . قال يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ؟ قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوه مني السلام , وقولوا: إن أبانا يصلِّي عليك , ويدعو لك بما أوليتنا.
19475-حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: خرجوا حتى قدموا على أبيهم , وكان منـزلهم، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعرَبات من أرض فلسطين بِغَوْرِ الشأم ، وبعض يقول: بالأولاج من ناحية الشّعب، أسفل من حِسْمى (22) ، وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل , فقالوا: يا أبانا، قدمنا على خير رجُلٍ، أنـزلنا فأكرم منـزلنا، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا , وقد أمرنا أن نأتِيَه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا، فلا تقربُنِّي ولا تدخلُنّ بلدي. فقال لهم يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ؟
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (نكتل) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة، وبعض أهل مكة والكوفة (نَكْتَلْ) ، بالنون , بمعنى: نكتل نحن وهو .
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: " يَكْتَلْ"، بالياء؛ بمعنى يكتل هو لنفسه، كما نكتال لأنفسنا .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى , فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ . وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادةَ الكيل على عدد رءوسهم , فقالوا: (يا أبانا مُنع منا الكيل) ، ثم سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه , فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم , فقد دخل " الأخ " في عددهم . فسواءٌ كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه , أو عن جميعهم بلفظ الجميع , إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به .
----------------------
الهوامش:
(22) في المخطوطة :" من حسو" ، والصواب ما في المطبوعة .