تفسير الآية 43 من سورة يوسف من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ
سورة يوسف : 43القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 43 من سورة يوسف بالمصحف الشريف:
وقال الملك: إني رأيت في المنام سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات هزيلات، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، يا أيها السادة والأشراف، أخبروني بتأويل رؤياي هذه إن كنتم عالمين بتأويل الرؤيا.
وقال الملك: إني رأيت في منامي سبع بقرات سمان، يأكلهن سبع بقرات نحيلات من الهُزال، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، يا أيها السادة والكبراء أخبروني عن هذه الرؤيا، إن كنتم للرؤيا تُفَسِّرون.
لما أراد الله تعالى أن يخرج يوسف من السجن، أرى الله الملك هذه الرؤيا العجيبة، الذي تأويلها يتناول جميع الأمة، ليكون تأويلها على يد يوسف، فيظهر من فضله، ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين، ومن التقادير المناسبة أن الملك الذي ترجع إليه أمور الرعية هو الذي رآها، لارتباط مصالحها به.
وذلك أنه رأى رؤيا هالته، فجمع لها علماء قومه وذوي الرأي منهم وقال: { إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ } أي: سبع من البقرات { عِجَافٌ } وهذا من العجب، أن السبع العجاف الهزيلات اللاتي سقطت قوتهن، يأكلن السبع السمان التي كنَّ نهاية في القوة.
{ وَ } رأيت { سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ } يأكلهن سبع سنبلات { يَابِسَاتٍ } { يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } لأن تعبير الجميع واحد، وتأويله شيء واحد. { إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } فتحيروا، ولم يعرفوا لها وجها.
فلما انقضت سبع سنين - قال الكلبي : وهذا السبع سوى الخمسة التي كانت قبل ذلك - ودنا فرج يوسف رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هالته ، وذلك أنه رأى سبع بقرات سمان ، خرجت من البحر ، ثم خرج عقبهن سبع بقرات عجاف في غاية الهزال ، فابتلعت العجاف السمان فدخلن في بطونهن ، ولم ير منهن شيء ولم يتبين على العجاف منها شيء ، ثم رأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها ، [ وسبعا أخرى ] يابسات قد استحصدت ، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها ، ولم يبق من خضرتها شيء ، فجمع السحرة ، والكهنة ، والحازة ، والمعبرين ، وقص عليهم رؤياه ، فذلك قوله تعالى :
( وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ) فقال لهم ( يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون ) .
هذه الرؤيا من ملك مصر مما قدر الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسف - عليه السلام - من السجن معززا مكرما ، وذلك أن الملك رأى هذه الرؤيا ، فهالته وتعجب من أمرها ، وما يكون تفسيرها ، فجمع الكهنة والحزاة وكبراء دولته وأمراءه وقص عليهم ما رأى ، وسألهم عن تأويلها ، فلم يعرفوا ذلك ،
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بقوله: وقال ملك مصر: إني أرى في المنام سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبعٌ من البقر عجاف . (17) وقال: " إني أرى " ، ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره ، لتعارف العرب بينها في كلامها إذا قال القائل منهم: " أرى أني أفعل كذا وكذا "، أنه خبر عن رؤيته ذلك في منامه، وإن لم يذكر النوم . وأخرج الخبر جلّ ثناؤه على ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بينهم .
* * *
، (وسبع سنبلات خضر)، يقول: وأرى سبع سُنْبلات خضر في منامي ، (وأخر) يقول: وسبعًا أخر من السنبل ، (يابسات يا أيها الملأ)، (18) يقول: يا أيها الأشراف من رجالي وأصحابي (19) ، (أفتوني في رؤياي)، فاعبروها، (إن كنتم للرؤيا) عَبَرَةً . (20)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
19330- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي قال ،إن الله أرى الملك في منامه رؤيا هالته ، فرأى سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فجمع السحرة والكهنة والحُزَاة والقافة ، (21) فقصَّها عليهم ، فقالوا : أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ . (22)
19331 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: ثم إن الملك الريان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى فهالته ، وعرف أنها رؤيا واقعة ، ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته: (إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) إلى قوله: بِعَالِمِينَ .
----------------------
الهوامش:
(17) لم يفسر" العجاف" في هذه الآية ، وسيفسرها فيما بعد في الآيات التالية .
(18) انظر تفسير" السنبلة" فيما سلف 5 : 512 - 515 .
(19) انظر تفسير" الملأ" فيما سلف 15 : 466 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(20) " عبرة" جمع" عابر" ، وهو الذي يعبر الرؤيا ، ويفسرها .
(21) " الحزأة" جمع" حاز" ، وهو المتكهن ، يحرز الأشياء ويقدرها بظنه ، ويقال للذي ينظر في النجوم وأحكامها بظنه وتقديره ، فربما أصاب :" الحزاء" . وجاء في تاريخ الطبري" الحازة والقافة" ، كأنه جمع آخرها على غير القياس . وفي جمعه أيضًا" الحوازي" .
و" القافة" جمع" قائف" ، وهو الذي يتتبع الآثار ويعرفها ، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه .
(22) الأثر : 19330 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 177 ، مطولا .