تفسير الآية 40 من سورة يوسف من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
سورة يوسف : 40القول في تأويل وتفسير قوله تعالى مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 40 من سورة يوسف بالمصحف الشريف:
ما تعبدون من دون الله إلا أسماء على غير مسمَّيات، سمَّيتموها أنتم وآباؤكم آلهة، ليس لها في الألوهية نصيب، لم يُنْزِل الله بتسميتكم لها حجة تدل على صحتها، ليس الحكم في جميع المخلوقات إلا لله وحده، لا لهذه الأسماء التي سميتموها أنتم وآباؤكم، أمر الله سبحانه أن توحِّدوه بالعبادة، ونهى أن تشركوا معه غيره، ذلك التوحيد هو الدين المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، ولذلك يشركون بالله، فيعبدون بعض مخلوقاته.
ما تعبدون من دون الله إلا أسماءً لا معاني وراءها، جعلتموها أنتم وآباؤكم أربابًا جهلا منكم وضلالا، ما أنزل الله من حجة أو برهان على صحتها، ما الحكم الحق إلا لله تعالى وحده، لا شريك له، أمر ألا تنقادوا ولا تخضعوا لغيره، وأن تعبدوه وحده، وهذا هو الدين القيم الذي لا عوج فيه، ولكن أكثر الناس يجهلون ذلك، فلا يعلمون حقيقته.
{ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ }
أي: كسوتموها أسماء، سميتموها آلهة، وهي لا شيء، ولا فيها من صفات الألوهية شيء، { مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } بل أنزل الله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان بطلانها، وإذا لم ينزل الله بها سلطانا، لم يكن طريق ولا وسيلة ولا دليل لها.
لأن الحكم لله وحده، فهو الذي يأمر وينهى، ويشرع الشرائع، ويسن الأحكام، وهو الذي أمركم { أن لا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } أي: المستقيم الموصل إلى كل خير، وما سواه من الأديان، فإنها غير مستقيمة، بل معوجة توصل إلى كل شر.
{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } حقائق الأشياء، وإلا فإن الفرق بين عبادة الله وحده لا شريك له، وبين الشرك به، أظهر الأشياء وأبينها.
ولكن لعدم العلم من أكثر الناس بذلك، حصل منهم ما حصل من الشرك،.فيوسف عليه السلام دعا صاحبي السجن لعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، فيحتمل أنهما استجابا وانقادا، فتمت عليهما النعمة، ويحتمل أنهما لم يزالا على شركهما، فقامت عليهما -بذلك- الحجة، ثم إنه عليه السلام شرع يعبر رؤياهما، بعد ما وعدهما ذلك، فقال:
( ما تعبدون من دونه ) أي : من دون الله ، وإنما ذكر بلفظ الجمع وقد ابتدأ الخطاب للاثنين لأنه أراد جميع أهل السجن ، وكل من هو على مثل حالهما من [ أهل ] الشرك ( إلا أسماء سميتموها ) آلهة وأربابا خالية عن المعنى لا حقيقة لتلك الأسماء ( أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) حجة وبرهان ( إن الحكم ) ما القضاء والأمر والنهي ( إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ) المستقيم ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ثم فسر رؤياهما فقال : ( يا صاحبي السجن أما أحدكما ) .
ثم بين لهما أن التي يعبدونها ويسمونها آلهة ، إنما هو جهل منهم ، وتسمية من تلقاء أنفسهم ، تلقاها خلفهم عن سلفهم ، وليس لذلك مستند من عند الله; ولهذا قال : ( ما أنزل الله بها من سلطان ) أي : حجة ولا برهان .
ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله ، وقد أمر عباده قاطبة ألا يعبدوا إلا إياه ، ثم قال : ذلك الدين القيم أي : هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله ، وإخلاص العمل له ، هو الدين المستقيم ، الذي أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه ، ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي : فلهذا كان أكثرهم مشركين . ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] .
وقد قال ابن جريج : إنما عدل بهم يوسف عن تعبير الرؤيا إلى هذا ، لأنه عرف أنها ضارة لأحدهما ، فأحب أن يشغلهما بغير ذلك ، لئلا يعاودوه فيها ، فعاودوه ، فأعاد عليهم الموعظة .
وفي هذا الذي قاله نظر; لأنه قد وعدهما أولا بتعبيرها ولكن جعل سؤالهما له على وجه التعظيم والاحترام وصلة وسببا إلى دعائهما إلى التوحيد والإسلام ، لما رأى في سجيتهما من قبول الخير والإقبال عليه ، والإنصات إليه ، ولهذا لما فرغ من دعوتهما ، شرع في تعبير رؤياهما ، من غير تكرار سؤال فقال :
القول في تأويل قوله تعالى : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)
قال أبو جعفر : يعنى بقوله: (ما تعبدون من دونه)، ما تعبدون من دون الله .
وقال: (ما تعبدون) وقد ابتدأ الخطاب بخطاب اثنين فقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ لأنه قصد المخاطب به، ومن هو على الشرك بالله مقيمٌ من أهل مصر ، فقال للمخاطَب بذلك: ما تعبد أنتَ ومن هو على مثل ما أنت عليه من عبادة الأوثان ، (إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) ، وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة أربابًا ، &; 16-106 &; شركًا منهم، وتشبيهًا لها في أسمائها التي سمَّوها بها بالله ، تعالى عن أن يكون له مثل أو شبيه ، (ما أنـزل الله بها من سلطان)، يقول: سموها بأسماء لم يأذن لهم بتسميتها ، ولا وضع لهم على أن تلك الأسماء أسماؤها، دلالةً ولا حجةً ، ولكنها اختلاق منهم لها وافتراء . (3)
* * *
وقوله: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)، يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتم وجميعُ خلقه، إلا الله الذي له الألوهة والعبادة خالصةً دون كل ما سواه من الأشياء ، كما:-
19293- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ، في قوله: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا أياه)، قال: أسَّسَ الدين على الإخلاص لله وحده لا شريك له.
* * *
وقوله: (ذلك الدين القيم)، يقول: هذا الذي دعوتكما إليه من البراءة من عبادة ما سوى الله من الأوثان، وأن تخلصا العبادة لله الواحد القهار ، هو الدِّين القويم الذي لا اعوجاج فيه ، والحقُّ الذي لا شك فيه (4) (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، يقول: ولكن أهل الشرك بالله يجهلون ذلك ، فلا يعلمون حقيقته .
----------------------
الهوامش:
(3) انظر تفسير" السلطان" فيما سلف 15 : 465 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(4) انظر تفسير" القيم" فيما سلف 14 : 237 .