تفسير الآية 32 من سورة يوسف من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ
سورة يوسف : 32القول في تأويل وتفسير قوله تعالى قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 32 من سورة يوسف بالمصحف الشريف:
قالت امرأة العزيز للنسوة لما رأت ما أصابهن: هذا هو الفتى الذي عَيَّرتُنَّني بسبب حبه، ولقد طلبته، واحتَلْتُ لإغوائه، فامتنع، ولئن لم يفعل ما أطلب منه مستقبلًا ليدخلنّ السجن، وليكونن من الأذلاء.
قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطَّعن أيديهن: فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفتى الذي لُمتُنَّني في الافتتان به، ولقد طلبته وحاولت إغراءه؛ ليستجيب لي فامتنع وأبى، ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبلا لَيعاقَبَنَّ بدخول السجن، ولَيكونن من الأذلاء.
فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر، وأعجبهن غاية، وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز، شيء كثير - أرادت أن تريهن جماله الباطن بالعفة التامة فقالت معلنة لذلك ومبينة لحبه الشديد غير مبالية، ولأن اللوم انقطع عنها من النسوة: { وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } أي: امتنع وهي مقيمة على مراودته، لم تزدها مرور الأوقات إلا قلقا ومحبة وشوقا لوصاله وتوقا.ولهذا قالت له بحضرتهن: { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } لتلجئه بهذا الوعيد إلى حصول مقصودها منه، فعند ذلك اعتصم يوسف بربه، واستعان به على كيدهن
( قالت ) يعني : راعيل ( فذلكن الذي لمتنني فيه ) أي : في حبه ، ثم صرحت بما فعلت ، فقالت : ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) أي : فامتنع ، وإنما صرحت به لأنها علمت أنه لا ملامة عليها منهن وقد أصابهن ما أصابها من رؤيته ، فقلن له : أطع مولاتك . فقالت راعيل : ( ولئن لم يفعل ما آمره ) ولئن لم يطاوعني فيما دعوته إليه ( ليسجنن ) أي : ليعاقبن بالحبس ( وليكونن من الصاغرين ) من الأذلاء . ونون التوكيد تثقل وتخفف ، والوقف على قوله : ( ليسجنن ) بالنون لأنها مشددة ، وعلى قوله ( " وليكونا " ) بالألف لأنها مخففة ، وهي شبيهة بنون الإعراب في الأسماء ، كقوله : رأيت رجلا ، وإذا وقفت قلت : رأيت رجلا بالألف ، ومثله : ( لنسفعا بالناصية ناصية ) ( العلق - 15 ، 16 ) . فاختار يوسف عليه السلام السجن على المعصية حين توعدته المرأة .
تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يحب لجماله وكماله .
( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) أي : فامتنع . قال بعضهم : لما رأين جماله الظاهر ، أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ، وهي العفة مع هذا الجمال ، ثم قالت تتوعد ( ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين )
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن , فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه، وفي نظرة منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وعُزوب الفهم وَلَهًا، ألِهتُنّ حتى قطعتن أيديكن، (21) هو الذي لمتنني في حبي إياه، وشغف فؤادي به، فقلتنّ: قد شغف امرأة العزيز فتاها حُبًّا، إنا لنراها في ضلال مبين! ثم أقرّت لهن بأنها قد راودته عن نفسه , وأن الذي تحدثن به عنها في أمره حق (22) فقالت: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) ، مما راودته عليه من ذلك (23) كما: -
19243 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي , قالت: (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) : ، تقول: بعد ما حلّ السراويل استعصى , لا أدري ما بَدَا له.
19244 - حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (فاستعصم) ، أي: فاستعصى.
19245 - حدثني علي بن داود , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: (فاستعصم) ، يقول: فامتنع.
* * *
وقوله: (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونَن من الصاغرين) ، تقول: ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه ، ( ليسجنن )، تقول: ليحبسن (24) ، وليكونًا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن , ولأهينَنَّه (25)
* * *
والوقف على قوله: " ليسجنن " ، بالنون، لأنها مشددة , كما قيل: لَيُبَطِّئَنَّ ، [سورة النساء: 72]
* * *
وأما قوله: ( وليكونَن ) فإن الوقف عليه بالألف، لأنها النون الخفيفة , وهي شبيهةُ نون الإعراب في الأسماء في قول القائل: " رأيت رجلا عندك " , فإذا وقف على " الرجل " قيل: " رأيتُ رجلا " , فصارت النون ألفًا. فكذلك ذلك في: " وليكونًا " , ومثله قوله: لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ ، [سورة العلق: 15، 16] الوقف عليه بالألف لما ذكرت ; ومنه قول الأعشي:
وَصَـلِّ عَـلَى حَينِ العَشَيَّاتِ والضُّحَى
وَلا تَعْبُــدِ الشَّـيْطَانَ وَاللـهَ فَـاعْبُدَا (26)
وإنما هو: " فاعبدن " , ولكن إذا وقف عليه كان الوقف بالألف.
* * *
----------------------
الهوامش:
(21) في المطبوعة :" وغروب الفهم ولها إليه حتى قطعتن .." ، وأثبت الصواب من المخطوطة . و" عزوب الفهم" ، ذهابه . يقال :" عزب عنه حلمه يعزب عزوبًا" ، ذهب . وقوله :" ألهتن" من" أله يأله ألهًا" ، إذا تحير ، وأصله" وله ، يوله ، ولهًا" ، بمعنى واحد ، وإنما قلبت الواو همزة .
(22) انظر تفسير" المراودة" فيما سلف ص : 62 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(23) انظر تفسير" العصمة" فيما سلف 15 : 331 ، تعليق 2 : ، ولمراجع هناك .
(24) انظر تفسير" السجن" فما سلف ص : 52 ."
(25) انظر تفسير" الصغار" فيما سلف 14 : 200 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(26) ديوانه : 103 ، وغيره كثير ، قاله عند إقباله على الإسلام ، ثم مات ميتة جاهلية والخبر مشهور ، ورواية ديوانه :
وَذَا النُّصُــبَ المَنْصُـوبَ لا تَنْسُـكَنَّهُ
وَلا تَعْبُــدِ الأَوْثَــانَ وَاللـهَ فَـاعْبُدَا
وَصَـلِّ عَـلَى حِينِ العَشِيَّاتِ والضُّحَى
وَلا تَحْــمَدِ الشَّـيْطَانَ وَاللـهَ فـاحْمَدا
وهي أجود الروايتين .