تفسير الآية 85 من سورة يونس من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
سورة يونس : 85القول في تأويل وتفسير قوله تعالى فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 85 من سورة يونس بالمصحف الشريف:
فأجابوا موسى عليه السلام، فقالوا: على الله وحده توكلنا، ربنا لا تسلط علينا الظالمين، فيفتنونا عن ديننا بالتعذيب والقتل والإغراء.
فقال قوم موسى له: على الله وحده لا شريك له اعتمدنا، وإليه فوَّضنا أمرنا، ربنا لا تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين، أو يُفتن الكفارُ بنصرهم، فيقولوا: لو كانوا على حق لما غُلبوا.
{ فَقَالُوا } ممتثلين لذلك { عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } أي: لا تسلطهم علينا، فيفتنونا، أو يغلبونا، فيفتتنون بذلك، ويقولون: لو كانوا على حق لما غلبوا.
( فقالوا على الله توكلنا ) اعتمدنا ، ثم دعوا فقالوا ، ( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) أي : لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بأيديهم ، فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانا . وقال مجاهد : لا تعذبنا بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على الحق لما عذبوا ويظنوا أنهم خير منا فيفتتنوا .
وقد امتثل بنو إسرائيل ذلك ، فقالوا : ( على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) أي : لا تظفرهم بنا ، وتسلطهم علينا ، فيظنوا أنهم إنما سلطوا لأنهم على الحق ونحن على الباطل ، فيفتنوا بذلك . هكذا روي عن أبي مجلز ، وأبي الضحى .
وقال ابن أبي نجيح وغير واحد ، عن مجاهد : لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ، ولا بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على حق ما عذبوا ، ولا سلطنا عليهم ، فيفتنوا بنا .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا ابن عيينة ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد : ( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) [ أي ] لا تسلطهم علينا ، فيفتنونا .
القول في تأويل قوله تعالى : فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فقال قوم يا موسى لموسى: (على الله توكلنا) ، أي به وثقنا، وإليه فوَّضنا أمرنا.
* * *
وقوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، يقول جل ثناؤه مخبرًا عن قوم موسى أنهم دعوا ربهم فقالوا: يا ربنا لا تختبر هؤلاء القوم الكافرين، ولا تمتحنهم بنا! (26) ، يعنون قوم فرعون.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي سألوه ربَّهم من إعاذته ابتلاء قوم فرعون بهم.
فقال بعضهم: سألوه أن لا يظهرهم عليهم، فيظنُّوا أنهم خيرٌ منهم ، وأنهم إنما سُلِّطوا عليهم لكرامتهم عليه وهوان الآخرين.
*ذكر من قال ذلك:
17783- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، في قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا يظهروا علينا ، فيروا أنهم خير منا.
17784- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبى مجلز في قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)، قال: قالوا: لا تظهرهم علينا فيروا أنهم خيرٌ منّا.
17785- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا تسلّطهم علينا ، فيزدادوا فتنة.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
*ذكر من قال ذلك:
17786- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)، لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
17787- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا تسلطهم علينا فيضلونا.
17788- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله ، وقال أيضًا : فيفتنونا.
17789- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون: " لو كانوا على حقّ ما سُلِّطنا عليهم ولا عُذِّبوا " ، فيفتتنوا بنا.
17790- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون: " لو كانوا على حق ما سُلِّطنا عليهم ولا عذِّبوا " ، فيفتتنوا بنا.
17791- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قوله: (لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال: لا تصبنا بعذاب من عندك ولا بأيديهم ، فيفتتنوا ويقولوا: " لو كانوا على حق ما سُلِّطنا عليهم ولا عذِّبوا ".
17792- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)، لا تبتلنا ربنا فتجهدنا ، وتجعله فتنة لهم ، هذه الفتنة. وقرأ: فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ، [سورة الصافات: 63] ، قال المشركون ، حين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويرمونهم، أليس ذلك فتنة لهم وسوءًا لهم، وهي بلية للمؤمنين؟.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن القوم رغبوا إلى الله في أن يُجيرهم من أن يكونوا محنة لقوم فرعون وبلاءً، وكلُّ ما كان من أمر كان لهم مصدَّة عن اتباع موسى والإقرار به ، وبما جاءهم به، فإنه لا شك أنه كان لهم " فتنة "، وكان من أعظم الأمور لهم إبعادًا من الإيمان بالله ورسوله. وكذلك من المصدَّة كان لهم عن الإيمان: أن لو كان قوم موسى عاجلتهم من الله محنةٌ في أنفسهم ، من بلية تنـزل بهم، فاستعاذ القوم بالله من كل معنى يكون صادًّا لقوم فرعون عن الإيمان بالله بأسبابهم.
-----------------------
الهوامش :
(26) انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف من فهارس اللغة ( فتن ) .