تفسير الآية 32 من سورة يونس من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ
سورة يونس : 32القول في تأويل وتفسير قوله تعالى فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 32 من سورة يونس بالمصحف الشريف:
فذلكم - أيها الناس - الذي يفعل ذلك كله هو الله الحق خالقكم، ومدبر أمركم، فماذا بعد معرفة الحق غير البعد عنه والضياع؟! فأين تذهب عقولكم عن هذا الحق الجلي؟!
فذلكم الله ربكم هو الحق الذي لا ريب فيه، المستَحِق للعبادة وحده لا شريك له، فأي شيء سوى الحق إلا الضلال؟، فكيف تُصْرَفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه؟
{فَذَلِكُمُ} الذي وصف نفسه بما وصفها به {اللَّهُ رَبُّكُمْ} أي: المألوه المعبود المحمود، المربي جميع الخلق بالنعم وهو: {الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}
فإنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لجميع الأشياء، الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلال والإكرام.
{فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} عن عبادة من هذا وصفه، إلى عبادة الذي ليس له من وجوده إلا العدم، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.
فليس له من الملك مثقال ذرة، ولا شركة له بوجه من الوجوه، ولا يشفع عند الله إلا بإذنه، فتبا لمن أشرك به، وويحًا لمن كفر به، لقد عدموا عقولهم، بعد أن عدموا أديانهم، بل فقدوا دنياهم وأخراهم.
( فذلكم الله ربكم ) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم ، ( الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) أي : فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به؟
وقوله : ( فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) أي : فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة ، ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ) أي : فكل معبود سواه باطل ، لا إله إلا هو ، واحد لا شريك له .
( فأنى تصرفون ) أي : فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه ، وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شيء ، والمتصرف في كل شيء ؟
القول في تأويل قوله تعالى : فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لخلقه: أيها الناس، فهذا الذي يفعل هذه الأفعال، فيرزقكم من السماء والأرض ، ويملك السمع والأبصار، ويخرج الحي من الميت والميت من الحي، ويدبر الأمر; ، (الله ربُّكم الحق) ، لا شك فيه ، ( فماذا بعد الحق إلا الضلال) ، يقول: فأي شيء سوى الحق إلا الضلال ، وهو الجور عن قصد السبيل؟ (51)
يقول: فإذا كان الحقُّ هو ذا، فادعاؤكم غيره إلهًا وربًّا، هو الضلال والذهاب عن الحق لا شك فيه ، (فأنى تصرفون) ، يقول: فأيّ وجه عن الهدى والحق تُصرفون ، وسواهما تسلكون ، وأنتم مقرُّون بأن الذي تُصْرَفون عنه هو الحق؟ (52)
-------------------
الهوامش :
(51) انظر تفسير " الضلال " فيما سلف من فهارس اللغة ( ضلل ) .
(52) انظر تفسير " الصرف " فيما سلف 14 : 582 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .