تفسير الآية 28 من سورة يونس من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ
سورة يونس : 28القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 28 من سورة يونس بالمصحف الشريف:
واذكر - أيها الرسول - يوم القيامة حين نحشر جميع الخلائق، ثم نقول للذين أشركوا بالله في الدنيا: الزموا - أيها المشركون - مكانكم أنتم ومعبوداتكم التي كنتم تعبدونها من دون الله. ففرقنا بين المعبودين والعابدين، وتبرأ المعبودون من العابدين قائلين: لم تكونوا تعبدوننا في الدنيا.
واذكر -أيها الرسول- يوم نحشر الخلق جميعا للحساب والجزاء، ثم نقول للذين أشركوا بالله: الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله حتى تنظروا ما يُفْعل بكم، فَفَرَّقْنا بين المشركين ومعبوديهم، وتبرَّأ مَن عُبِدُوا مِن دون الله ممن كانوا يعبدونهم، وقالوا للمشركين: ما كنتم إيانا تعبدون في الدنيا.
يقول تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} أي: نجمع جميع الخلائق، لميعاد يوم معلوم، ونحضر المشركين، وما كانوا يعبدون من دون الله.
{ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ} أي: الزموا مكانكم ليقع التحاكم والفصل بينكم وبينهم.
{فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} أي: فرقنا بينهم، بالبعد البدني والقلبي، وحصلت بينهم العداوة الشديدة، بعد أن بذلوا لهم في الدنيا خالص المحبة وصفو الوداد، فانقلبت تلك المحبة والولاية بغضًا وعداوة.
وتبرأ شُرَكَاؤُهُمْ منهم وقالوا: {مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} فإننا ننزه الله أن يكون له شريك، أو نديد.
قوله تعالى : ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ) أي : الزموا مكانكم ( أنتم وشركاؤكم ) يعني : الأوثان ، معناه : ثم نقول للذين أشركوا : الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم ، ولا تبرحوا . ( فزيلنا ) ميزنا وفرقنا ( بينهم ) أي : بين المشركين وشركائهم ، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده ، ( وقال شركاؤهم ) يعني : الأصنام ، ( ما كنتم إيانا تعبدون ) بطلبتنا فيقولون : بلى ، كنا نعبدكم ، فتقول الأصنام :
يقول تعالى : ( ويوم نحشرهم ) أي : أهل الأرض كلهم ، من إنس وجن وبر وفاجر ، كما قال : ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) [ الكهف : 47 ] .
( ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم ) أي : الزموا أنتم وهم مكانا معينا ، امتازوا فيه عن مقام المؤمنين ، كما قال تعالى : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) [ يس : 59 ] ، وقال ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ) [ الروم : 14 ] ، وفي الآية الأخرى : ( يومئذ يصدعون ) [ الروم : 43 ] أي : يصيرون صدعين ، وهذا يكون إذا جاء الرب تعالى لفصل القضاء ؛ ولهذا قيل : ذلك يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا ، وفي الحديث الآخر : " نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس .
وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخبارا عما يأمر به المشركين وأوثانهم يوم القيامة : ( مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ) أنكروا عبادتهم ، وتبرءوا منهم ، كما قال تعالى : ( [ كلا ] سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) الآية . [ مريم : 82 ] . وقال : ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ) [ البقرة : 166 ] ، وقال ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) [ الأحقاف : 5 ، 6 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويوم نجمع الخلق لموقف الحساب جميعًا، (38) ثم نقول حينئذ للذين أشركوا بالله الآلهةَ والأندادَ: ، (مكانَكم) ، أي: امكثوا مكانكم، وقفوا في موضعكم، أنتم، أيها المشركون، وشُركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الآلهة والأوثان ، (فزيّلنا بينهم) ، يقول: ففرقنا بين المشركين بالله وما أشركوه به .
* * *
، [من قولهم: " زِلْت الشيء أزيلُه " ، إذا فرّقت بينه ] وبين غيره وأبنته منه. (39) وقال: " فزيّلنا " إرادة تكثير الفعل وتكريره، ولم يقل: " فزِلْنا بينهم ".
* * *
وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه: (فَزَايَلْنَا بَيْنَهُمْ)، كما قيل: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ ، [سورة لقمان: 18] ، والعرب تفعل ذلك كثيرًا في " فعَّلت "، يلحقون فيها أحيانًا ألفًا مكان التشديد، فيقولون: " فاعلت " إذا كان الفعل لواحدٍ. وأما إذا كان لاثنين ، فلا تكاد تقول إلا " فاعلت ". (40)
* * *
، (وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون)، وذلك حين تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ، لما قيل للمشركين: " اتبعوا ما كنتم تعبدون من دون الله "، ونصبت لهم آلهتهم، قالوا: " كنا نعبد هؤلاء "!، فقالت الآلهة لهم: (ما كنتم إيانا تعبدون)، كما:-
17648- حدثت عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: يكون يومَ القيامة ساعةٌ فيها شدة ، تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبدون، فيقال: " هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله "، فتقول الآلهة: " والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ، ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا "! فيقولون: " والله لإيّاكم كنا نعبد "! فتقول لهم الآلهة: فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ .
17649- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم) ، قال: فرّقنا بينهم ، (وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) ! قالوا: بلى ، قد كنا نعبدكم! فقالوا : (كفى بالله شهيدًا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين)، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نتكلم! فقال الله: هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ ، الآية.
* * *
وروي عن مجاهد، أنه كان يتأول " الحشر " في هذا الموضع، الموت.
17650- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن الأعمش قال: سمعتهم يذكرون عن مجاهد في قوله: (ويوم نحشرهم جميعًا) ، قال: الحشر: الموت.
* * *
قال أبو جعفر: والذي قلنا في ذلك أولى بتأويله، لأن الله تعالى ذكره أخبر أنه يقول يومئذ للذين أشركوا ما ذكر أنه يقول لهم، ومعلومٌ أن ذلك غير كائن في القبر، وأنه إنما هو خبَرٌ عما يقال لهم ، ويقولون في الموقف بعد البعث.
--------------------------
الهوامش :
(38) انظر تفسير " الحشر " فيما سلف 13 : 529 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(39) هذه الزيادة بين القوسين ، استظهار من نص اللغة لا بد منه ، وكان الكلام في المخطوطة سردًا واحدًا ، وهو فساد من الناسخ . وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 492 .
(40) انظر بيان هذا أيضًا في معاني القرآن للفراء 1 : 492 ، فهو نحو منه .