تفسير الآية 10 من سورة يونس من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
سورة يونس : 10القول في تأويل وتفسير قوله تعالى دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 10 من سورة يونس بالمصحف الشريف:
دعاؤهم في الجنة هو تسبيح الله وتقديسه، وتحية الله لهم وتحية الملائكة وتحية بعضهم لبعض: سلام، وخاتمة دعائهم الثناء على الله رب المخلوقات كلها.
دعاؤهم في الجنة التسبيح (سبحانك اللهم)، وتحية الله وملائكته لهم، وتحية بعضهم بعضًا في الجنة (سلام)، وآخر دعائهم قولهم: "الحمد لله رب العالمين" أي: الشكر والثناء لله خالق المخلوقات ومربِّيها بنعمه.
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} أي عبادتهم فيها لله، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائض، وآخرها تحميد لله، فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة، ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتفرح به الأرواح، وهو لهم بمنزلة النَّفَس، من دون كلفة ومشقة.
{و} أما {تَحِيَّتُهُمْ} فيما بينهم عند التلاقي والتزاور، فهو السلام، أي: كلام سالم من اللغو والإثم، موصوف بأنه {سَلَامٌ} وقد قيل في تفسير قوله {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ} إلى آخر الآية، أن أهل الجنة ـ إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما ـ قالوا سبحانك اللهم، فأحضر لهم في الحال.
فإذا فرغوا قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
( دعواهم ) أي : قولهم وكلامهم . وقيل : دعاؤهم . ( فيها سبحانك اللهم ) وهي كلمة تنزيه ، تنزه الله من كل سوء . وروينا : " أن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح ، كما يلهمون النفس " .
قال أهل التفسير : هذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في الطعام ، فإذا أرادوا الطعام قالوا : سبحانك اللهم ، فأتوهم في الوقت بما يشتهون على الموائد ، كل مائدة ميل في ميل ، على كل مائدة سبعون ألف صحفة ، وفي كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا ، فإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله ، فذلك قوله تعالى : (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )
قوله تعالى : ( وتحيتهم فيها سلام ) أي : يحيي بعضهم بعضا بالسلام . وقيل : تحية الملائكة لهم بالسلام .
وقيل : تأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام .
( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) يريد : يفتتحون كلامهم بالتسبيح ، ويختمونه بالتحميد .
وقوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) أي : هذا حال أهل الجنة .
قال ابن جريج : أخبرت أن قوله : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) [ قال : إذا مر بهم الطير يشتهونه ، قالوا : سبحانك اللهم ] وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه ، فيسلم عليهم ، فيردون عليه . فذلك قوله : ( وتحيتهم فيها سلام ) قال : فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ، فذلك قوله : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )
وقال مقاتل بن حيان : إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم : ( سبحانك اللهم ) قال : فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم ، مع كل خادم صحفة من ذهب ، فيها طعام ليس في الأخرى ، قال : فيأكل منهن كلهن .
وقال سفيان الثوري : إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال : ( سبحانك اللهم )
وهذه الآية فيها شبه من قوله : ( تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ) [ الأحزاب : 44 ] ، وقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ) [ الواقعة : 25 ، 26 ] . وقوله : ( سلام قولا من رب رحيم ) [ يس : 58 ] . وقوله : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [ الرعد : 23 ، 24 ] .
وقوله : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) هذا فيه دلالة على أن الله تعالى هو المحمود أبدا ، المعبود على طول المدى ؛ ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره ، وفي ابتداء كتابه ، وعند ابتداء تنزيله ، حيث يقول تعالى : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ] ، ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ) [ الأنعام : 1 ] إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها ، وأنه المحمود في الأول و [ في ] الآخر ، في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، في جميع الأحوال ؛ ولهذا جاء في الحديث : " إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس " وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تضاعف نعم الله عليهم ، فتكرر وتعاد وتزاد ، فليس لها انقضاء ولا أمد ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه .
وأما قوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، فإن معناه: دعاؤهم فيها : سبحانك اللهم، (12) كما:-
17563- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرت أن قوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، قال: إذا مرّ بهم الطيرُ يشتهونه (13)
قالوا: سبحانك اللهم! وذلك دعواهم، فيأتيهم الملك بما اشتهوا، فيسلم عليهم فيردّون عليه، فذلك قوله: ( وتحيتهم فيها سلام). قال: فإذا أكلوا حمدوا الله ربّهم، فذلك قوله: (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
17564- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (دعواهم فيها سبحانك اللهم) ، يقول: ذلك قولهم فيها ، (وتحيتهم فيها سلام).
17565- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبيد الله الأشجعي قال: سمعت سفيانا يقول: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) ، قال: إذا أرادوا الشيء قالوا: " اللهم " ، فيأتيهم ما دَعَوا به.
* * *
وأما قوله: (سبحانك اللهم) ، فإن معناه: تنـزيها لك ، يا رب ، مما أضاف إليك أهل الشرك بك ، من الكذب عليك والفِرْية. (14)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17566- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال: سمعت أبي. عن غير واحدٍ عطيةُ فيهم: " سبحان الله " تنـزيهٌ لله.
17567- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان، عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: سمعت موسى بن طلحة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله "، قال: إبراء الله عن السوء.
17568- حدثنا أبو كريب ، وأبو السائب ، وخلاد بن أسلم قالوا، حدثنا ابن إدريس قال ، حدثنا قابوس، عن أبيه: أن ابن الكوّاء سأل عليًّا رضي الله عنه عن " سبحان الله " ، قال: كلمة رضيها الله لنفسه.
17569- حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال ، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان بن سعيد الثوري ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب الطلحي، عن موسى بن طلحة قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " سبحان الله "، فقال: تنـزيهًا لله عن السوء. (15)
17570- حدثني علي بن عيسى البزار قال ، حدثنا عبيد الله بن محمد قال ، حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال ، حدثني حفص بن سليمان قال ، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير " سبحان الله " ، فقال: هو تنـزيه الله من كل سوء. (16)
17571- حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي قال ، حدثنا سليمان بن أيوب قال : حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ، قول " سبحان الله "؟ قال: تنـزيه الله عن السوء. (17)
* * *
، (وتحيتهم) ، يقول: وتحية بعضهم بعضًا ، (فيها سلام)، أي : سَلِمْتَ وأمِنْتَ مما ابتُلي به أهل النار. (18)
* * *
والعرب تسمي الملك " التحية " ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
أَزُورُ بِهَــا أَبَــا قَــابُوسَ حَـتَّى
أُنِيــخَ عَــلَى تَحِيَّتِــهِ بِجُــنْدِي (19)
ومنه قول زهير بن جناب الكلبي:
مِــنْ كُــلِّ مَــا نَــالَ الفَتَــى
قَــــدْ نِلْتُــــهُ إلا التَّحِيَّـــهْ
* * *
وقوله: (وآخر دعواهم) ، يقول: وآخر دعائهم (20) ، (أن الحمد لله رب العالمين) ، يقول: وآخر دعائهم أن يقولوا: الحمد لله رب العالمين " ، ولذلك خففت " أن " ولم تشدّد لأنه أريد بها الحكاية.
-------------------------
الهوامش :
(12) انظر تفسير " الدعوى " فيما سلف 12 : 303 ، 304 .
(13) في المطبوعة : " فيشتهونه " بالفاء ، وأثبت ما في المخطوطة .
(14) انظر تفسير " سبحان " فيما سلف 14 ، 213 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(15) الأثر : 17567 ، 17569 - " سفيان " بن سعيد ، هو الثوري الإمام المشهور .
و " عثمان بن عبد الله بن وهب التيمي " ، مولى آل طلحة ينسب إلى جده يقال : " عثمان بن وهب " تابعي ثقة ، روى عن ابن عمر ، وأبي هريرة ، وأم سلمة . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 155 .
و " موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، تابعي ثقة ، روى عن أبيه وغيره من الصحابة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 286 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 147 .
وهو خبر مرسل ، وسيأتي موصولا في الذي يليه ، ولكنها أخبار لا يقوم إسنادها .
(16) الأثر : 17570 - " علي بن عيسى البزار " ، شيخ الطبري ، هو " علي بن عيسى بن يزيد البغدادي الكراجكي ، ثقة ، مضى برقم : 2168 .
و " عبيد الله بن محمد بن حفص التميمي ، العيشي " ، من ولد عائشة بنت طلحة ، ثقة ، مستقيم الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 335 .
و " عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله " ، منكر الحديث ، لا يحتج به .
مترجم في لسان الميزان 3 : 412 ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 226 ، ومي زان الاعتدال 2 : 102 .
و " حفص بن سليمان الأسدي البزار " ، ضعيف الحديث ، مضى برقم : 5753 ، 11458 .
و " طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، وثقه ابن معين وغيره ، وقال البخاري : " منكر الحديث " ، وقال في كتاب الضعفاء الصغير ص : 46 : " وليس بالقوي " ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 477 .
وأبوه : " يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي " ، تابعي ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 283 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 160 .
وهذا خبر هالك الإسناد ، كما رأيت .
(17) الأثر : 17571 - " محمد بن عمرو بن تمام الكلبي ، المصري " ، أبو الكروس ، شيخ الطبري ، مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 1 / 34 .
و " سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة " روى نسخة عن أبيه عن آبائه عامة ، أحاديثه لا يتابع عليها ، وروى أحاديث مناكير . وذكره ابن حبان في الثقات . مترجم من التهذيب وابن أبي حاتم 2 / 1 / 101 .
وهذا خبر ضعيف الإسناد أيضًا .
(18) انظر تفسير " التحية " فيما سلف 8 : 586 - 590 .
(19) من قصيدة طويلة له ، رواها أبو علي القالي في أماليه 3 : 147 - 150 ، واللسان ( حيا ) ، مع اختلاف في الرواية .
(20) انظر تفسير " الدعوى " فيما سلف ص : 30 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .