تفسير الآية 83 من سورة مريم من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا
سورة مريم : 83القول في تأويل وتفسير قوله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 83 من سورة مريم بالمصحف الشريف:
ألم تر - أيها الرسول - أنا بعثنا الشياطين، وسلّطناهم على الكفار تهيّجهم إلى فعل المعاصي والصد عن دين الله تهييجًا؟
ألم تر - أيها الرسول - أنَّا سلَّطْنا الشياطين على الكافرين بالله ورسله؛ لتغويهم، وتدفعهم عن الطاعة إلى المعصية؟
وهذا من عقوبة الكافرين أنهم -لما لم يعتصموا بالله، ولم يتمسكوا بحبل الله، بل أشركوا به ووالوا أعداءه، من الشياطين- سلطهم عليهم، وقيضهم لهم، فجعلت الشياطين تؤزهم إلى المعاصي أزا، وتزعجهم إلى الكفر إزعاجا، فيوسوسون لهم، ويوحون إليهم، ويزينون لهم الباطل، ويقبحون لهم الحق، فيدخل حب الباطل في قلوبهم ويتشربها، فيسعى فيه سعي المحق في حقه، فينصره بجهده ويحارب عنه، ويجاهد أهل الحق في سبيل الباطل، وهذا كله، جزاء له على توليه من وليه وتوليه لعدوه، جعل له عليه سلطان، وإلا فلو آمن بالله، وتوكل عليه، لم يكن له عليه سلطان، كما قال تعالى:
{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }
قوله عز وجل : ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ) أي سلطناهم عليهم وذلك حين قال لإبليس : " واستفزز من استطعت منهم بصوتك " الآية ( الإسراء - 64 ( تؤزهم أزا ) تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية " والأز " " والهز " : التحريك أي : تحركهم وتحثهم على المعاصي .
وقوله : ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : تغويهم إغواء .
وقال العوفي عنه : تحرضهم على محمد وأصحابه .
وقال مجاهد : تشليهم إشلاء .
وقال قتادة : تزعجهم إزعاجا إلى معاصي الله .
وقال سفيان الثوري : تغريهم إغراء وتستعجلهم استعجالا .
وقال السدي : تطغيهم طغيانا .
وقال عبد الرحمن بن زيد : هذا كقوله تعالى : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) [ الزخرف : 36 ] .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد أنا أرسلنا الشياطين على أهل الكفر بالله (تَؤُزُّهُمْ) يقول: تحرّكهم بالإغواء والإضلال، فتزعجهم إلى معاصي الله، وتغريهم بها حتى يواقعوها(أزًّا) إزعاجا وإغواء.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (أَزًّا) يقول: تغريهم إغراء.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريح، قال: قال ابن عباس: تؤزّ الكافرين إغراء في الشرك: امض امض في هذا الأمر، حتى توقعهم في النار، امضوا في الغيّ امضوا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو إدريس، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال: تغريهم إغراء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال: تزعجهم إزعاجا في معصية الله.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة في قول الله (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال: تزعجهم إلى معاصي الله إزعاجا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) قال تزعجهم إزعاجا في معاصي الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) فقرأ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ قال: تؤزّهم أزّا، قال: تشليهم إشلاء على معاصي الله تبارك وتعالى، وتغريهم عليها، كما يغري الإنسان الآخر على الشيء ، يقال منه: أزَزْت فلانا بكذا، إذا أغريته به أؤزُّه أزّا وأزيزا ، وسمعت أزيز القدر: وهو صوت غليانها على النار; ومنه حديث مطرف عن أبيه، أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل.