قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا

سورة مريم : 4

القول في تأويل وتفسير قوله تعالى قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 4 من سورة مريم بالمصحف الشريف:

تفسير المختصر سورة مريم الآية 4

قال: يا رب، إني ضعفت عظامي، وكثر شيب رأسي، ولم أكن خائبًا في دعائي لك، بل كلما دعوتك أجبتني.

تفسير المُيسّر سورة مريم الآية 4

قال: رب إني كَبِرْتُ، وضعف عظمي، وانتشر الشيب في رأسي، ولم أكن من قبل محرومًا من إجابة الدعاء.

تفسير السعدي سورة مريم الآية 4

{ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ْ}
أي: وهى وضعف، وإذا ضعف العظم، الذي هو عماد البدن، ضعف غيره، { وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ْ} لأن الشيب دليل الضعف والكبر، ورسول الموت ورائده، ونذيره، فتوسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه، وهذا من أحب الوسائل إلى الله، لأنه يدل على التبري من الحول والقوة، وتعلق القلب بحول الله وقوته.
{ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ْ} أي: لم تكن يا رب تردني خائبا ولا محروما من الإجابة، بل لم تزل بي حفيا ولدعائي مجيبا، ولم تزل ألطافك تتوالى علي، وإحسانك واصلا إلي، وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه، وإجابة دعواته السابقة، فسأل الذي أحسن سابقا، أن يتمم إحسانه لاحقا.

تفسير البغوي سورة مريم الآية 4

( قال رب إني وهن ) ضعف ورق ( العظم مني ) من الكبر . قال قتادة : اشتكى سقوط الأضراس ( واشتعل الرأس ) أي : ابيض شعر الرأس ( شيبا ) شمطا ( ولم أكن بدعائك رب شقيا ) يقول : عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبني .
وقيل : معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان .

تفسير ابن كثير سورة مريم الآية 4

( قال رب إني وهن العظم مني ) أي : ضعفت وخارت القوى ، ( واشتعل الرأس شيبا ) أي اضطرم المشيب في السواد ، كما قال ابن دريد في مقصورته :
إما ترى رأسي حاكي لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى واشتعل المبيض في مسوده
مثل اشتعال النار في جمر الغضا
والمراد من هذا : الإخبار عن الضعف والكبر ، ودلائله الظاهرة والباطنة .
وقوله : ( ولم أكن بدعائك رب شقيا ) أي : ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء ، ولم تردني قط فيما سألتك .

تفسير الطبري سورة مريم الآية 4

حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: رغب زكريا في الولد، فقام فصلى، ثم دعا ربه سرّا ، فقال: ( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ).... إلى وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا وقوله: ( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) يقول تعالى ذكره، فكان نداؤه الخفي الذي نادى به ربه أن قال: ( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) يعني بقوله (وَهَنَ) ضعف ورقّ من الكبر.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) أي ضعف العظم مني.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) قال: نحل العظم. قال عبد الرزاق، قال: الثوري: وبلغني أن زكريا كان ابن سبعين سنة.
وقد اختلف أهل العربية في وجه النصب في الشَّيْب، فقال بعض نحويي البصرة: نصب على المصدر من معنى الكلام، كأنه حين قال: اشتعل، قال: شاب، فقال: شَيْبا على المصدر. قال: وليس هو في معنى: تفقأت شحما وامتلأت ماء، لأن ذلك ليس بمصدر. وقال غيره : نصب الشيب على التفسير، لأنه يقال: اشتعل شيب رأسي، واشتعل رأسي شيبا، كما يقال: تفقأت شحما، وتفقأ شحمي.
وقوله: ( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) يقول: ولم أشق يا رب بدعائك، لأنك لم تخيب دعائي قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك، بل كنت تجيب وتقضي حاجتي قبلك.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جريج، قوله: ( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) يقول: قد كنت تعرّفني الإجابة فيما مضى.