تفسير الآية 30 من سورة مريم من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا
سورة مريم : 30القول في تأويل وتفسير قوله تعالى قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 30 من سورة مريم بالمصحف الشريف:
قال عيسى عليه السلام: إني عبد الله، أعطاني الإنجيل، وجعلني نبيًّا من أنبيائه.
قال عيسى وهو في مهده يرضع: إني عبد الله، قضى بإعطائي الكتاب، وهو الإنجيل، وجعلني نبيًا.
فحينئذ قال عيسى عليه السلام، وهو في المهد صبي: { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ْ} فخاطبهم بوصفه بالعبودية، وأنه ليس فيه صفة يستحق بها أن يكون إلها، أو ابنا للإله، تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ْ} ومدعون موافقته.{ آتَانِيَ الْكِتَابَ ْ} أي: قضى أن يؤتيني الكتب { وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ْ} فأخبرهم بأنه عبد الله، وأن الله علمه الكتاب، وجعله من جملة أنبيائه، فهذا من كماله لنفسه
( قال إني عبد الله ) وقال وهب : أتاها زكريا عند مناظرتها اليهود ، فقال لعيسى : انطق بحجتك إن كنت أمرت بها ، فقال عند ذلك عيسى عليه السلام وهو ابن أربعين يوما وقال مقاتل : بل هو يوم ولد : إني عبد الله ، أقر على نفسه بالعبودية لله عز وجل أول ما تكلم لئلا يتخذ إلها ( آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) قيل : معناه سيؤتيني الكتاب ويجعلني نبيا .
وقيل : هذا إخبار عما كتب له في اللوح المحفوظ ، كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : متى كنت نبيا؟ قال : " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " .
وقال الأكثرون أوتي الإنجيل وهو صغير طفل ، وكان يعقل عقل الرجال .
وعن الحسن : أنه قال : ألهم التوراة وهو في بطن أمه .
قال : ( إني عبد الله ) أول شيء تكلم به أن نزه جناب ربه تعالى وبرأ الله عن الولد ، وأثبت لنفسه العبودية لربه .
وقوله : ( آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) : تبرئة لأمه مما نسبت إليه من الفاحشة .
قال نوف البكالي : لما قالوا لأمه ما قالوا ، كان يرتضع ثديه ، فنزع الثدي من فمه ، واتكأ على جنبه الأيسر ، وقال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) إلى قوله : ( ما دمت حيا )
وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني : رفع إصبعه السبابة فوق منكبه ، وهو يقول : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) الآية .
وقال عكرمة : ( آتاني الكتاب ) أي : قضى أنه يؤتيني الكتاب فيما قضى .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد العزيز بن زياد ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان عيسى ابن مريم قد درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه فذلك قوله : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) .
يحيى بن سعيد العطار الحمصي : متروك .
يقول تعالى ذكره: فلما قال قوم مريم لها كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا وظنوا أن ذلك منها استهزاء بهم، قال عيسى لها متكلمًا عن أمه: ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ) . وكانوا حين أشارت لهم إلى عيسى فيما ذُكر عنهم غضبوا.
كما حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما أشارت لهم إلى عيسى غضبوا، وقالوا: لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبيّ أشدّ علينا من زناها قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأجابهم عيسى عنها فقال لهم ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا )... الآية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ لَهُمُ (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) فقرأ حتى بلغ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا فقالوا: إن هذا لأمر عظيم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ لم يتكلم عيسى إلا عند ذلك حين قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
وقوله ( آتَانِيَ الْكِتَابَ ) يقول القائل: أو آتاه الكتاب والوحي قبل أن يخلق في بطن أمه فإن معنى ذلك بخلاف ما يظنّ، وإنما معناه: وقضى يوم قضى أمور خلقه إليّ أن يؤتيني الكتاب.
كما حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا الضحاك، يعني ابن مخلد، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة ( آتَانِيَ الْكِتَابَ ) قال: قضى أن يؤتيني الكتاب فيما مضى.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا سفيان، عن سماك، عن عكرمة، في قوله ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ) قال: القضاء.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، في قوله ( إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ) قال: قضى أن يؤتيني الكتاب.
وقوله ( وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) وقد بيَّنت معنى النبيّ واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيه عندنا بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وكان مجاهد يقول في معنى النبيّ وحده ما حدثنا به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: النبيّ وحده الذي يكلم وينـزل عليه الوحي ولا يرسل.