تفسير الآية 17 من سورة مريم من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا
سورة مريم : 17القول في تأويل وتفسير قوله تعالى فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 17 من سورة مريم بالمصحف الشريف:
فاتخذت لنفسها من دون قومها ساترًا يسترها حتى لا يروها حال عبادتها لربها، فبعثنا إليها جبريل عليه السلام، فتمثل لها في صورة إنسان سَوِيّ الخلقة، فخافت أنه يريدها بسوء.
فجعلت مِن دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن الناس، فأرسلنا إليها الملَك جبريل، فتمثَّل لها في صورة إنسان تام الخَلْق.
{ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ْ} أي: سترا ومانعا، وهذا التباعد منها، واتخاذ الحجاب، لتعتزل، وتنفرد بعبادة ربها، وتقنت له في حالة الإخلاص والخضوع والذل لله تعالى، وذلك امتثال منها لقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ْ} وقوله: { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ْ} وهو: جبريل عليه السلام { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ْ} أي: كاملا من الرجال، في صورة جميلة، وهيئة حسنة، لا عيب فيه ولا نقص، لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه، فلما رأته في هذه الحال، وهي معتزلة عن أهلها، منفردة عن الناس، قد اتخذت الحجاب عن أعز الناس عليها وهم أهلها، خافت أن يكون رجلا قد تعرض لها بسوء، وطمع فيها، فاعتصمت بربها، واستعاذت منه
( فاتخذت ) فضربت ( من دونهم حجابا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : سترا .
وقيل : جلست وراء جدار . وقال مقاتل : وراء جبل .
وقال عكرمة : إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها ، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد ، فبينما هي تغتسل من المحيض قد تجردت ، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوي الخلق ، فذلك قوله :
( فأرسلنا إليها روحنا ) يعني : جبريل عليه السلام ( فتمثل لها بشرا سويا ) وقيل : المراد من الروح عيسى عليه السلام ، جاء في صورة بشر فحملت به والأول أصح فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد ف :
وقوله : ( فاتخذت من دونهم حجابا ) أي : استترت منهم وتوارت ، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ( فتمثل لها بشرا سويا ) أي : على صورة إنسان تام كامل .
قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن جريج ووهب بن منبه ، والسدي ، في قوله : ( فأرسلنا إليها روحنا ) يعني : جبريل ، عليه السلام .
وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193 ، 194 ] .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : إن روح عيسى ، عليه السلام ، من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم ، وهو الذي تمثل لها بشرا سويا ، أي : روح عيسى ، فحملت الذي خاطبها ، وحل في فيها .
وهذا في غاية الغرابة والنكارة ، وكأنه إسرائيلي .
وقوله: ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ) يقول: فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس ، وذُكر عن ابن عباس، أنها صارت بمكان يلي المشرق، لأن الله أظلها بالشمس، وجعل لها منها حجابا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) قال: مكانا أظلتها الشمس أن يراها أحد منهم.
وقال غيره في ذلك ما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ) من الجدران.
وقوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) يقول تعالى ذكره: فأرسلنا إليها حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، واتخذت من دونهم حجابا: جبريل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) قال: أرسل إليها فيما ذُكر لنا جبريل.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: وجدتْ عندها جبريل قد مثله الله بشرا سويا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) قال: جبريل .
حدثني محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل بن أخي وهب، قال: سمعت وهب بن منبه ، قال: أرسل الله جبريل إلى مريم، فَمَثَل لها بشرا سويا.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال : فلما طهرت، يعني مريم من حيضها، إذا هي برجل معها، وهو قوله ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) يقول تعالى ذكره: فتشبه لها في صورة آدميّ سويّ الخلق منهم، يعني في صورة رجل من بني آدم معتدل الخلق.