تفسير الآية 2 من سورة إبراهيم من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
سورة إبراهيم : 2القول في تأويل وتفسير قوله تعالى اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 2 من سورة إبراهيم بالمصحف الشريف:
الله الذي له وحده ملك ما في السماوات، وله وحده ملك ما في الأرض، فهو المستحق أن يعبد وحده، ولا يشرك به شيء من خلقه، وسينال الذين كفروا عذابٌ قوي.
(الر) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
وليدل ذلك على أن صراط الله من أكبر الأدلة على ما لله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأن الذي نصبه لعباده، عزيز السلطان، حميد في أقواله وأفعاله وأحكامه، وأنه مألوه معبود بالعبادات التي هي منازل الصراط المستقيم، وأنه كما أن له ملك السماوات والأرض خلقا ورزقا وتدبيرا، فله الحكم على عباده بأحكامه الدينية، لأنهم ملكه، ولا يليق به أن يتركهم سدى، فلما بيَّن الدليل والبرهان توعد من لم ينقد لذلك، فقال: { وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } لا يقدر قدره، ولا يوصف أمره
( الله الذي ) قرأ أبو جعفر ، وابن عامر : " الله " بالرفع على الاستئناف ، وخبره فيما بعده . وقرأ الآخرون بالخفض نعتا للعزيز الحميد . وكان يعقوب إذا وصل خفض .
وقال أبو عمرو : الخفض على التقديم والتأخير ، مجازه : إلى صراط الله العزيز الحميد ( الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد ) .
وقوله : ( الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) قرأه بعضهم مستأنفا مرفوعا ، وقرأه آخرون على الإتباع صفة للجلالة ، كما قال تعالى : ( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض ) [ الأعراف : 158 ] .
وقوله : ( وويل للكافرين من عذاب شديد ) أي : ويل لهم يوم القيامة إذ خالفوك يا محمد وكذبوك .
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قَرأة المدينة والشأم : " اللهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السماوات " برفع اسم " الله " على الابتداء ، وتصيير قوله: ( الذي له ما في السماوات ) ،خبرَه.
* * *
وقرأته عامة قرأة أهل العراق والكوفة والبصرة: ( اللهِ الَّذِي ) بخفض اسم الله على إتباع ذلك الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، وهما خفضٌ.
* * *
وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذ قرئ كذلك .
فذكر عن أبي عمرو بن العَلاء أنه كان يقرؤه بالخفض. ويقول: معناه: بإذن ربهم إلى صرَاط [ الله ] العزيز الحميدِ الذي له ما في السماوات . (25) ويقول: هو من المؤخَّر الذي معناه التقديم ، ويمثله بقول القائل: " مررتُ بالظَّريف عبد الله " ، والكلام الذي يوضع مكانَ الاسم النَّعْتُ ، ثم يُجْعَلُ الاسمُ مكان النعت ، فيتبع إعرابُه إعرابَ النعت الذي وُضع موضع الاسم ، كما قال بعض الشعراء:
لَــوْ كُــنْتُ ذَا نَبْــلٍ وَذَا شَـزِيبِ
مَـا خِـفْتُ شَـدَّاتِ الخَـبِيثِ الـذِّيبِ (26)
* * *
وأما الكسائي فإنه كان يقول فيما ذكر عنه: مَنْ خفضَ أراد أن يجعلَه كلامًا واحدًا ، وأتبع الخفضَ الخفضَ ، وبالخفض كان يَقْرأ.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القُرّاء ، معناهما واحدٌ ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع أراد مَعْنَى مَنْ خفضَ في إتباع الكلام بعضِه بعضًا ، ولكنه رفع لانفصاله من الآية التي قبله ، كما قال جل ثناؤه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلى آخر الآية ثم قال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ [سورة التوبة : 111 ، 112] . (27)
* * *
ومعنى قوله: ( اللهِ الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) اللهِ الذي يملك جميع ما في السماوات ومَا في الأرض .
يقول لنييه محمد صلى الله عليه وسلم: أنـزلنا إليك هذا الكتاب لتدعُوَ عِبادي إلى عِبَادة مَنْ هذه صفته ، وَيَدعُو عبادَةَ من لا يملك لهم ولا لنفسه ضَرًّا ولا نفعًا من الآلهة والأوثان. ثم توعّد جل ثناؤه من كفر به ، ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له فقال: ( وويْلٌ للكافرين من عذاب شديد ) يقول: الوادِي الذي يسيلُ من صديد أهل جهنم ، لمن جحد وحدانيته ، وعبد معه غيره ، مِن عَذَاب الله الشَّدِيد. (28)
-----------------------------------
الهوامش :
(25) زدت ما بين القوسين لأنه حق الكلام ، وإلا لم يكن المعنى على " المؤخر الذي معناه التقديم " كما سيأتي ، بل كان يكون على التطويل والزيادة ، وهو باطل . وهو إغفال من عجلة الناسخ وسبق قلمه .
(26) غاب عني مكان الرجز . و " الشزيب " و " الشزبة " ، ( بفتح فسكون ) ، من أسماء القوس ، وهي التي ليست بجديد ولا خلق ، كأنها شزب قضيبها ، أي ذبل . و " الشدة " ، ( بفتح الشين ) الحملة ، يقال : " شد على العدو " ، أي حمل .
(27) انظر ما قاله أبو جعفر في الآية ، فيما سلف 14 : 500 ، التعليق رقم : 2 .
(28) انظر تفسير " الويل " فيما سلف 2 : 267 - 269 ، 237 .