وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ

سورة إبراهيم : 14

القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 14 من سورة إبراهيم بالمصحف الشريف:

تفسير المختصر سورة إبراهيم الآية 14

ولنسكننكم - أيها الرسل ومن تبعكم - الأرض من بعد إهلاكهم، ذلك المذكور من إهلاك الكفار المكذبين، وإسكان رسلهم والمؤمنين الأرض من بعد إهلاكهم هو لمن استحضر عظمتي ومراقبتي له، وخاف إنذاري له بالعذاب.

تفسير المُيسّر سورة إبراهيم الآية 14

ولنجعلن العاقبة الحسنة للرسل وأتباعهم بإسكانهم أرض الكافرين بعد إهلاكهم، ذلك الإهلاك للكفار، وإسكان المؤمنين أرضهم أمر مؤكد لمن خاف مقامه بين يديَّ يوم القيامة، وخشي وعيدي وعذابي.

تفسير السعدي سورة إبراهيم الآية 14

{ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ } أي: العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } عليه في الدنيا وراقب الله مراقبة من يعلم أنه يراه، { وَخَافَ وَعِيدِ } أي: ما توعدت به من عصاني فأوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله والمبادرة إلى ما يحبه الله.

تفسير البغوي سورة إبراهيم الآية 14

( ولنسكننكم الأرض من بعدهم ) أي : من بعد هلاكهم .
( ذلك لمن خاف مقامي ) أي : قيامه بين يدي كما قال : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ( الرحمن - 46 ) ، فأضاف قيام العبد إلى نفسه ، كما تقول : ندمت على ضربك ، أي : على ضربي إياك ( وخاف وعيد ) أي عقابي .

تفسير ابن كثير سورة إبراهيم الآية 14

كما قال تعالى : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) [ الصافات : 171 - 173 ] ، وقال تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ] ، وقال : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [ الأنبياء : 105 ] ، ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) [ الأعراف : 128 ] ، وقال تعالى : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) [ الأعراف : 137 ] .
وقوله : ( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) أي : وعيدي هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة ، وخشي من وعيدي ، وهو تخويفي وعذابي ، كما قال تعالى : ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) [ النازعات : 37 - 41 ] وقال : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن : 46 ] .

تفسير الطبري سورة إبراهيم الآية 14

وقوله: ( ولنسكننكم الأرض من بعدهم ) ، هذا وعدٌ من الله مَنْ وَعد من أنبيائه النصرَ على الكَفَرة به من قومه . يقول: لما تمادتْ أمم الرسل في الكفر ، وتوعَّدوا رسُلهم بالوقوع بهم ، أوحى الله إليهم بإهلاك من كَفَر بهم من أممهم ووعدهم النصر. وكلُّ ذلك كان من الله وعيدًا وتهدُّدا لمشركي قوم نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم على كفرهم به ، (18) وجُرْأتهم على نبيه ، وتثبيتًا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأمرًا له بالصبر على ما لقي من المكروه فيه من مشركي قومه ، كما صبر من كان قبله من أولي العزم من رسله ومُعرِّفَة أن عاقبة أمرِ من كفر به الهلاكُ ، وعاقبتَه النصرُ عليهم ، سُنَّةُ الله في الذين خَلَوْا من قبل .
* * *
20611 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( ولنسكننكم الأرضَ من بعدهم ) ، قال: وعدهم النصرَ في الدنيا ، والجنَّةَ في الآخرة.
* * *
وقوله: ( ذلك لمن خَافَ مَقامي وخاف وَعِيدِ ) ، يقول جل ثناؤه: هكذا فِعْلي لمن خاف مَقامَه بين يديّ ، وخاف وعيدي فاتَّقاني بطاعته ، وتجنَّب سُخطي ، أنصُرْه على ما أراد به سُوءًا وبَغَاه مكروهًا من أعدائي ، أهلك عدوّه وأخْزيه ، وأورثه أرضَه وديارَه.
* * *
وقال: ( لمن خاف مَقَامي ) ، ومعناه ما قلت من أنه لمن خاف مَقَامه بين يديَّ بحيث أقيمه هُنالك للحساب ، (19) كما قال: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [سورة الواقعة : 82 ] ، معناه: وتجعلون رِزقي إياكم أنّكُم تكذبون . وذلك أن العرب تُضيف أفعالها إلى أنفسها ، وإلى ما أوقعت عليه ، فتقول: " قد سُرِرتُ برؤيتك ، وبرؤيتي إياك " ، فكذلك ذلك.
--------------------------
الهوامش :
(18) في المطبوعة : " وعيدًا وتهديدًا " ، أساء إذ غير لفظ أبي جعفر .
(19) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 337 .