يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ

سورة الروم : 7

القول في تأويل وتفسير قوله تعالى يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 7 من سورة الروم بالمصحف الشريف:

تفسير المختصر سورة الروم الآية 7

لا يعلمون الإيمان وأحكام الشرع، وإنما يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا يتعلق بكسب المعاش وبناء الحضارة المادية، وهم عن الآخرة التي هي دار الحياة الحقيقية معرضون، لا يلتفتون إليها.

تفسير المُيسّر سورة الروم الآية 7

وعد الله المؤمنين وعدًا جازمًا لا يتخلف، بنصر الروم النصارى على الفرس الوثنيين، ولكن أكثر كفار "مكة" لا يعلمون أن ما وعد الله به حق، وإنما يعلمون ظواهر الدنيا وزخرفها، وهم عن أمور الآخرة وما ينفعهم فيها غافلون، لا يفكرون فيها.

تفسير السعدي سورة الروم الآية 7

وهؤلاء الذين لا يعلمون أي: لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها. وإنما { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسببها المتصرف فيها.
{ وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم إلى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن الآخرة، فلا الجنة تشتاق إليها ولا النار تخافها وتخشاها ولا المقام بين يدي اللّه ولقائه يروعها ويزعجها وهذا علامة الشقاء وعنوان الغفلة عن الآخرة.
ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب.
وأظهروا من العجائب الذرية والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما أقدرهم اللّه عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن آخرتهم وأقلهم معرفة بالعواقب، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يترددون نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون.
ثم نظروا إلى ما أعطاهم اللّه وأقدرهم عليه من الأفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها و[ما] حرموا من العقل العالي فعرفوا أن الأمر للّه والحكم له في عباده وإن هو إلا توفيقه وخذلانه فخافوا ربهم وسألوه أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه، ويحلوا بساحته [وهذه الأمور لو قارنها الإيمان وبنيت عليه لأثمرت الرُّقِيَّ العالي والحياة الطيبة، ولكنها لما بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير]

تفسير البغوي سورة الروم الآية 7

( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) يعني : أمر معاشهم ، كيف يكتسبون ويتجرون ، ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون ، وكيف يبنون ويعيشون ، قال الحسن : إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطئ وهو لا يحسن يصلي ( وهم عن الآخرة هم غافلون ) ساهون عنها جاهلون بها ، لا يتفكرون فيها ولا يعملون لها .

تفسير ابن كثير سورة الروم الآية 7

وقوله : ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) أي : أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشئونها وما فيها ، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها ، وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة ، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة .
قال الحسن البصري : والله لبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره ، فيخبرك بوزنه ، وما يحسن أن يصلي .
وقال ابن عباس في قوله : ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) يعني : الكفار يعرفون عمران الدنيا ، وهم في أمر الدين جهال .

تفسير الطبري سورة الروم الآية 7

القول في تأويل قوله تعالى : يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
يقول تعالى ذكره: يعلم هؤلاء المكذّبون بحقيقة خبر الله أن الروم ستغلب فارس، ظاهرا من حياتهم الدنيا، وتدبير معايشهم فيها، وما يصلحهم، وهم عن أمر آخرتهم، وما لهم فيه النجاة من عقاب الله هنالك، غافلون، لا يفكرون فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تُمَيْلة يحيى بن واضح الأنصاري، قال: ثنا الحسين بن واقد، قال: ثنا يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدُّنْيا) يعني معايشهم، متى يحصدون ومتى يغرسون.
حدثني أحمد بن الوليد الرمليّ، قال ثنا: عمرو بن عثمان بن عمر، عن عاصم بن عليّ، قال: ثنا أبو تميلة، قال: ثنا ابن واقد، عن يزيد النحويّ، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (يعلَمونَ ظاهِرًا من الحَياةِ الدُّنْيا) قال: متى يَزْرَعون، متى يَغْرِسون.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: ثني شرقي، عن عكرمة في قوله: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: هو السراج أو نحوه.
حدثنا أبو هريرة محمد بن فراس الضبعي، قال: ثنا أبو قُتَيبة، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، عن عكرِمة في قوله: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) : قال السراجون.
حدثنا أحمد بن الوليد الرملي، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، عن عكرِمة في قوله: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: الخرازون والسراجون.
حدثنا بشر بن آدم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: معايشهم، وما يصلحهم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.
حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة، وعن منصور، عن إبراهيم ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: معايشهم.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: ( ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يعني الكفار، يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال.
حدثني ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: معايشهم، وما يصلحهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) من حرفَتها وتصرّفها وبغيتها، ( وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ).
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن، قال: يعلمون متى زرعهم، ومتى حصادهم.
قال: ثنا حفص بن راشد الهلالي، عن شعبة، عن شرقي، عن عكرِمة ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: السراج ونحوه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: صرفها في معيشتها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) (1) .
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد في قوله: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: تسترق الشياطين السمع، فيسمعون الكلمة التي قد نـزلت ينبغي لها أن تكون في الأرض، قال: ويرمون بالشُّهب، فلا ينجو أن يحترق، أو يصيبه شرر منه، قال: فيسقط فلا يعود أبدا، قال: ويرمي بذاك الذي سمع إلى أوليائه من الإنس، قال: فيحملون عليه ألف كذبة، قال: فما رأيت الناس يقولون: يكون كذا وكذا، قال: فيجيء الصحيح منه كما يقولون، الذي سمعوه من السماء، ويعقبه من الكذب الذي يخوضون فيه.
------------------------
الهوامش:
(1) كذا في النسخ، ولم يذكر التفسير، ولعله سقط من قلم الناسخ، أو لعله كلمة "نحوه" أو "مثله"، وكثيرًا ما يتركها.