تفسير الآية 88 من سورة النمل من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ
سورة النمل : 88القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 88 من سورة النمل بالمصحف الشريف:
وترى الجبال في ذلك اليوم تحسبها ثابتة لا تتحرك، وهي في واقع الأمر تسير مسرعة سير السحاب، صنع الله، فهو الذي يحركها، إنه خبير بما تفعلون، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيجازيكم عليها.
وترى الجبال تظنها واقفة مستقرة، وهي تسير سيرًا حثيثًا كسير السحاب الذي تسيِّره الرياح، وهذا مِن صنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه وأتقنه. إن الله خبير بما يفعل عباده من خير وشر، وسيجازيهم على ذلك.
ومن هوله أنك { ترى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } لا تفقد [شيئا] منها وتظنها باقية على الحال المعهودة وهي قد بلغت منها الشدائد والأهوال كل مبلغ وقد تفتت ثم تضمحل وتكون هباء منبثا. ولهذا قال: { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } من خفتها وشدة ذلك الخوف وذلك { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } فيجازيكم بأعمالكم.
قوله - عز وجل - : ( وترى الجبال تحسبها جامدة ) قائمة واقفة ، ( وهي تمر مر السحاب ) أي : تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض . فتستوي بها وذلك أن كل شيء عظيم وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وبعد ما بين أطرافه فهو في حسبان الناظر واقف وهو سائر ، كذلك سير الجبال لا يرى يوم القيامة لعظمتها ، كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه وهو سائر ، ( صنع الله ) نصب على المصدر ، ( الذي أتقن كل شيء ) أي : أحكم ، ( إنه خبير بما تفعلون ) قرأ ابن كثير ، وأهل البصرة : بالياء والباقون بالتاء .
وقوله : ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) أي : تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ، وهي تمر مر السحاب ، أي : تزول عن أماكنها ، كما قال تعالى : ( يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ) [ الطور : 9 ، 10 ] ، وقال ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) [ طه : 105 ، 107 ] ، وقال تعالى : ( ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ) [ الكهف : 47 ] .
وقوله : ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) أي : يفعل ذلك بقدرته العظيمة الذي قد أتقن كل ما خلق ، وأودع فيه من الحكمة ما أودع ، ( إنه خبير بما تفعلون ) أي : هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر فيجازيهم عليه .
يقول تعالى ذكره: ( وَتَرَى الْجِبَالَ ) يا محمد ( تَحْسبَهُا ) قائمة (وهي تَمُرُّ ).
كالذي حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) يقول: قائمة. وإنما قيل : ( وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ) لأنها تجمع ثم تسير, فيحسب رائيها لكثرتها أنها واقفة, وهي تسير سيرا حثيثا, كما قال الجعدي:
بِـأَرْعَنَ مِثْـلَ الطَّـوْدِ تَحْسِـبُ أَنَّهُـمْ
وُقُــوفٌ لحِــاجٍ والرّكـابُ تُهَمْلـجُ (3)
قوله: ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) وأوثق خلقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) يقول: أحكم كلّ شيء.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) يقول: أحسن كلّ شيء خلقه وأوثقه.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) قال: أوثق كلّ شيء وسوّى.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: ( أتْقَنَ ) أوثق.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة: ( إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم وخبرة بما يفعل عباده من خير وشرّ وطاعة له ومعصية, وهو مجازي جميعهم على جميع ذلك على الخير الخيرَ, وعلى الشرِّ الشرّ نظيره.
------------------------
الهوامش :
(1) سقط كلام المؤلف في تأويل الآية رقم 82، ويدل عليه إيراد كلام أهل التأويل فيه.
(2) آتوه: جمع آتى بوزن فاعل. وأصله آتيوه، نقلت الضمة من الياء لاستثقالها إلى التاء، ثم حذفت الياء، لسكونها وسكون الواو بعدها فصار آتوه على وزن فاعلوه. ووزنها قبل حذف الياء فاعلوه، وهو الذي أراده المؤلف.
(3) الأرعن: يريد به الجيش العظيم، شبهه بالجبل الضخم ذي الرعان، وهي الفضول، كرعان الجبال. والرعن الأنف العظيم من الجبل تراه متقدمًا. وقيل الأرعن: هو المضطرب لكثرته. والطود: الجبل العظيم والحاج: جمع حاجة، وتهملج: تمشى الهملجة، والهملجة: سير حسن في سرعة، والبيت شاهد على أن الشيء الضخم تراه وهو يتحرك، فتحسبه ساكنًا، مع أنه مسرع في سيره جدًا، وذلك كسير الجيش، وكسير السفينة في البحر، يحسبها الناظر إليها وهي مجدة في سيرها، كأنها واقفة. وذلك هو شأن الجبال عند القيامة: تراها كأنها جامدة، وهي تسير مسرعة كالسحاب.