تفسير الآية 17 من سورة النمل من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
سورة النمل : 17القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 17 من سورة النمل بالمصحف الشريف:
وجُمِع لسليمان جنوده من البشر والجن والطير، فهم يُسَاقون بنظام.
وجُمِع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير في مسيرة لهم، فهم على كثرتهم لم يكونوا مهمَلين، بل كان على كل جنس من يَرُدُّ أولهم على آخرهم؛ كي يقفوا جميعًا منتظمين.
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ أي: جمع له جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة من بني آدم، ومن الجن والشياطين ومن الطيور فهم يوزعون يدبرون ويرد أولهم على آخرهم، وينظمون غاية التنظيم في سيرهم ونزولهم وحلهم وترحالهم قد استعد لذلك وأعد له عدته.
وكل هذه الجنود مؤتمرة بأمره لا تقدر على عصيانه ولا تتمرد عنه، قال تعالى: هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ أي: أعط بغير حساب، فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض أسفاره
قوله - عز وجل - : ( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير ) في مسيره له ) ( فهم يوزعون ) فهم يكفون . قال قتادة : كان على كل صف من جنوده وزعة ترد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير ، والوازع الحابس ، وهو النقيب . وقال مقاتل : يوزعون يساقون ، وقال السدي : يوقفون . وقيل : يجمعون . وأصل الوزع الكف والمنع . قال محمد بن كعب القرظي : كان معسكر سليمان مائة فرسخ ، خمسة وعشرون منها للإنس ، وخمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للوحش ، وخمسة وعشرون للطير ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب ، فيها ثلاثمائة صريحة وسبعمائة سرية فيأمر الريح العاصف فترفعه ، ويأمر الرخاء فتسير به ، وأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض : إني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح ، فأخبرتك .
وقوله تعالى : ( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ) أي : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير يعني : ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة في الإنس ، وكانوا هم الذين يلونه ، والجن وهم بعدهم [ يكونون ] في المنزلة ، والطير ومنزلتها فوق رأسه ، فإن كان حر أظلته منه بأجنحتها .
وقوله : ( فهم يوزعون ) أي : يكف أولهم على آخرهم ; لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له .
قال مجاهد : جعل على كل صنف وزعة ، يردون أولاها على أخراها ، لئلا يتقدموا في المسير ، كما يفعل الملوك اليوم .
يقول تعالى ذكره: وجمع لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطير في مسير لهم، فهم يوزعون.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله (فَهُمْ يُوزَعُونَ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم يحبس أوّلهم على آخرهم حتى يجتمعوا.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس, قال: جعل على كل صنف من يرد أولاها على أُخراها لئلا يتقدموا في المسير، كما تصنع الملوك.
حدثنا القاسم, قال: ثنا أبو سفيان عن معمر, عن قَتادة في قوله: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) قال: يردّ أوّلهم على آخرهم.
وقال آخرون: معنى ذلك فهم يساقون.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) قال: يوزعون: يُساقون.
وقال آخرون: بل معناه: فهم يتقدمون.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان عن معمر, قال: قال الحسن: (يُوزَعُونَ ) يتقدمون.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: يردّ أوّلهم على آخرهم; وذلك أن الوازع في كلام العرب هو الكافّ, يقال منه: وزع فلان فلانا عن الظلم: إذا كفَّه عنه, كما قال الشاعر:
أَلَــمْ يَــزَعِ الهَـوَى إذْ لَـمْ يُـؤَاتِ
بَـلى وَسَـلَوْت عَـنْ ضَلَـب الفَتـاة (1)
وقال آخر:
عَـلى حِينَ عاتَبْتُ الْمَشيبَ عَلى الصّبا
وقُلْــتُ ألَمَّـا أصْـحُ والشَّـيْبُ وَازع (2)
وإنما قيل للذين يدفعون الناس عن الولاة والأمراء: وزعة: لكفهم إياهم عنه.
------------------------
الهوامش :
(1) الوزع: كف النفس عن هواها. وزعه وبه يزع (بفتح الزاي وكسرها) وزعًا كفه، ويؤات يوافق. قال في اللسان: واتاه على الأمر: طاوعه. والمؤاتاة: حسن المطاوعة وآتيته على ذلك الأمر مؤاتاه: إذا وافقته وطاوعته. والعامة تقول: واتَيْتُهُ. ولا تقل. واتَيْتُهُ. إلا في لغة لأهل اليمن ومثله آسيت، وآكلت، وآمرت وإنما جعلوها واوًا على تخفيف الهمزة
(2) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يعتذر بها إلى النعمان بن المنذر (مختار الشعر لجاهلي شرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي 156 وما بعدها) قال صحا: أفاق والوازع الكاف الزاجر عن اللهو والصبا الصبوة، والميل إلى التشبه بأعمال الصبيان من الطيش واللهو