إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ

سورة النمل : 11

القول في تأويل وتفسير قوله تعالى إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 11 من سورة النمل بالمصحف الشريف:

تفسير المختصر سورة النمل الآية 11

لكن من ظلم نفسه بارتكاب ذنب، ثم تاب بعد ذلك فإني غفور له، رحيم به.

تفسير المُيسّر سورة النمل الآية 11

فلما جاء موسى النارَ ناداه الله وأخبره أن هذا مكانٌ قدَّسه الله وباركه فجعله موضعًا لتكليم موسى وإرساله، وأن الله بارك مَن في النار ومَن حولها مِنَ الملائكة، وتنزيهًا لله رب الخلائق عما لا يليق به. يا موسى إنه أنا الله المستحق للعبادة وحدي، العزيز الغالب في انتقامي من أعدائي، الحكيم في تدبير خلقي. وألق عصاك فألقاها فصارت حية، فلما رآها تتحرك في خفة تَحَرُّكَ الحية السريعة ولَّى هاربًا ولم يرجع إليها، فطمأنه الله بقوله: يا موسى لا تَخَفْ، إني لا يخاف لديَّ من أرسلتهم برسالتي، لكن مَن تجاوز الحدَّ بذنب، ثم تاب فبدَّل حُسْن التوبة بعد قبح الذنب، فإني غفور له رحيم به، فلا ييئس أحدٌ من رحمة الله ومغفرته. وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء كالثلج من غير بَرَص في جملة تسع معجزات، وهي مع اليد: العصا، والسنون، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم؛ لتأييدك في رسالتك إلى فرعون وقومه، إنهم كانوا قومًا خارجين عن أمر الله كافرين به.

تفسير السعدي سورة النمل الآية 11

إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ أي: فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب ما أسدى من الظلم وما تقدم له من الجرم، وأما المرسلون فما لهم وللوحشة والخوف؟ ومع هذا من ظلم نفسه بمعاصي الله، ثم تاب وأناب فبدل سيئاته حسنات ومعاصيه طاعات فإن الله غفور رحيم، فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته فإنه يغفر الذنوب جميعا وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.

تفسير البغوي سورة النمل الآية 11

وقوله : ( إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ) واختلف في هذا الاستثناء ، قيل : هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك ، ثم تاب فقال : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، فغفر له . قال ابن جريج : قال الله تعالى لموسى : إنما أخفتك لقتلك النفس . وقال : معنى الآية : لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله : ) ( إلا من ظلم ) ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة . وفي الآية متروك استغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه ، تقديره : فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم .
وقال بعض العلماء : ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم ، بل هو استثناء من المتروك في الكلام ، معناه : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم من الظالمين ، إلا من ظلم ثم تاب ، وهذا من الاستثناء المنقطع ، معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف ، فإن تاب وبدل حسنا بعد سوء فإن الله غفور رحيم ، يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه .
وقال بعض النحويين : " إلا " هاهنا بمعنى : " ولا " يعني : لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء ، يقول : لا يخاف لدي المرسلون ولا المذنبون التائبون ، كقوله تعالى : " لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " ( البقرة - 150 ) ، يعني : ولا الذين ظلموا

تفسير ابن كثير سورة النمل الآية 11

وقوله : ( إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ) هذا استثناء منقطع ، وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على [ عمل ] شيء ثم أقلع عنه ، ورجع وأناب ، فإن الله يتوب عليه ، كما قال تعالى : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) [ طه : 82 ] ، وقال تعالى : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) [ النساء : 110 ] والآيات في هذا كثيرة جدا .

تفسير الطبري سورة النمل الآية 11

(إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ), فقد أمنه الله بوعده الغفران والرحمة, وأدخله في عداد من لا يخاف لديه من المرسلين، فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت إلا في هذا الموضع؛ لأن إلا تدخل في مثل هذا الكلام, كمثل قول العرب: ما أشتكي إلا خيرا، فلم يجعل قوله: إلا خيرا على الشكوى, ولكنه علم أنه إذا قال: ما أشتكي شيئا أن يذكر عن نفسه خيرا, كأنه قال: ما أذكر إلا خيرا.
وقال بعض نحويي الكوفة يقول القائل: كيف صير خائفا من ظلم, ثم بدّل حسنا بعد سوء, وهو مغفور له؟ فأقول لك: في هذه الآية وجهان: أحدهما أن يقول: إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القيامة, ومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا فهو يخاف ويرجو, فهذا وجه. والآخر: أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة, لأن المعنى: لا يخاف لديّ المرسلون, إنما الخوف على من سواهم, ثم استثنى فقال: (إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا ) يقول: كان مشركا, فتاب من الشرك, وعمل حسنا, فذلك مغفور له, وليس يخاف. قال: وقد قال بعض النحويين: إن إلا في اللغة بمنـزلة الواو, وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لديّ المرسلون, ولا من ظلم ثم بدّل حسنا, قال: وجعلوا مثله كقول الله: لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قال: ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا, لأني لا أجيز: قام الناس إلا عبد الله, وعبد الله قائم، إنما معنى الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء التي قبل إلا. وقد أراه جائزا أن يقول: لي عليك ألف سوى ألف آخر; فإن وضعت إلا في هذا الموضع صلحت, وكانت إلا في تأويل ما قالوا, فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا ولكن مثله مما يكون معنى إلا كمعنى الواو, وليست بها قوله خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ هو في المعنى. والذي شاء ربك من الزيادة, فلا تجعل إلا بمنـزلة الواو, ولكن بمنـزلة سوى; فإذا كانت " سوى " في موضع " إلا " صلحت بمعنى الواو, لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا: أي وهذا عندي, كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا أيضا عندي, وهو في سوى أبعد منه في إلا لأنك تقول: عندي سوى هذا, ولا تقول: عندي إلا هذا.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في قوله (إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ ) عندي غير ما قاله هؤلاء الذين حكينا قولهم من أهل العربية, بل هو القول الذي قاله الحسن البصري وابن جُرَيج ومن قال قولهما, وهو أن قوله: (إِلا مَنْ ظُلِمَ ) استثناء صحيح من قوله ( لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلا مَنْ ظَلَمَ ) منهم فأتى ذنبا, فإنه خائف لديه من عقوبته، وقد بين الحسن رحمه الله معنى قيل الله لموسى ذلك, وهو قوله قال: إني إنما أخفتك لقتلك النفس.
فإن قال قائل فما وجه قيله إن كان قوله (إِلا مَنْ ظُلِمَ ) استثناء صحيحا, وخارجا من عداد من لا يخاف لديه من المرسلين, وكيف يكون خائفا من كان قد وُعد الغفران والرحمة؟ قيل: إن قوله: (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ) كلام آخر بعد الأوّل, وقد تناهى الخبر عن الرسل من ظلم منهم, ومن لم يظلم عند قوله (إِلا مَنْ ظُلِمَ ) ثم ابتدأ الخبر عمن ظلم من الرسل, وسائر الناس غيرهم، وقيل: فمن ظلم ثم بدّل حسنا بعد سوء فإني له غفور رحيم.
فإن قال قائل: فعلام تعطف إن كان الأمر كما قلت ب (ثُمَّ) إن لم يكن عطفا على قوله: ( ظَلَمَ ) ؟ قيل: على متروك استغني بدلالة قوله (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ) عليه عن إظهاره, إذ كان قد جرى قبل ذلك من الكلام نظيره, وهو فمن ظلم من الخلق. وأما الذين ذكرنا قولهم من أهل العربية, فقد قالوا على مذهب العربية, غير أنهم أغفلوا معنى الكلمة وحملوها على غير وجهها من التأويل. وإنما ينبغي أن يحمل الكلام على وجهه من التأويل, ويلتمس له على ذلك الوجه للإعراب في الصحة مخرج لا على إحالة الكلمة عن معناها ووجهها الصحيح من التأويل.
وقوله: (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ) يقول تعالى ذكره: فمن أتى ظلما من خلق الله, وركب مأثما, ثم بدل حسنا, يقول: ثم تاب من ظلمه ذلك وركوبه المأثم,(فَإِنِّي غَفُورٌ ) يقول: فإني ساتر على ذنبه وظلمه ذلك بعفوي عنه, وترك عقوبته عليه ( رَحِيمٌ ) به أن أعاقبه بعد تبديله الحسن بضده.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ) ثم تاب من بعد إساءته (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ )