تفسير الآية 59 من سورة القصص من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
سورة القصص : 59القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 59 من سورة القصص بالمصحف الشريف:
ولم يكن ربك - أيها الرسول - مهلك القرى حتى يعذر إلى أهلها ببعث رسول في القرية الكبرى منها كما بعثك أنت في أم القرى، وهي مكة، وما كنا لنهلك أهل القرى وهم مستقيمون على الحق، إنما نهلكهم إن كانوا ظالمين بالكفر وارتكاب المعاصي.
وما كان ربك -أيها الرسول- مهلك القرى التي حول "مكة" في زمانك حتى يبعث في أمها -وهي "مكة"- رسولا يتلو عليهم آياتنا، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون لأنفسهم بكفرهم بالله ومعصيته، فهم بذلك مستحقون للعقوبة والنكال.
ومن حكمته ورحمته أن لا يعذب الأمم بمجرد كفرهم قبل إقامة الحجة عليهم، بإرسال الرسل إليهم، ولهذا قال: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى } أي: بكفرهم وظلمهم { حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا } أي: في القرية والمدينة التي إليها يرجعون، ونحوها يترددون، وكل ما حولها ينتجعها، ولا تخفى عليه أخبارها.
{ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } الدالة على صحة ما جاء به، وصدق ما دعاهم إليه، فيبلغ قوله قاصيهم ودانيهم، بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة، والأطراف النائية، فإن ذلك مظنة الخفاء والجفاء، والمدن الأمهات مظنة الظهور والانتشار، وفي الغالب أنهم أقل جفاء من غيرهم.
{ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } بالكفر والمعاصي، مستحقون للعقوبة. والحاصل: أن اللّه لا يعذب أحدا إلا بظلمه، وإقامة الحجة عليه.
( وما كان ربك مهلك القرى ) أي : القرى الكافرة أهلها ، ( حتى يبعث في أمها رسولا ) يعني : في أكبرها وأعظمها رسولا ينذرهم ، وخص الأعظم ببعثة الرسول فيها ، لأن الرسول يبعث إلى الأشراف ، والأشراف يسكنون المدائن ، والمواضع التي هي أم ما حولها ، ( يتلو عليهم آياتنا ) قال مقاتل : يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا ، ( وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ) مشركون ، يريد : أهلكتهم بظلمهم .
ثم قال الله مخبرا عن عدله ، وأنه لا يهلك أحدا ظالما له ، وإنما يهلك من أهلك بعد قيام الحجة عليهم ، ولهذا قال : ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها ) وهي مكة ( رسولا يتلو عليهم آياتنا ) . فيه دلالة على أن النبي الأمي ، وهو محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، المبعوث من أم القرى ، رسول إلى جميع القرى ، من عرب وأعجام ، كما قال تعالى : ( لتنذر أم القرى ومن حولها ) [ الشورى : 7 ] ، وقال تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] ، وقال : ( لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : 19 ] ، وقال : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود : 17 ] . وتمام الدليل [ قوله ] ( وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ) [ الإسراء : 58 ] . فأخبر أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة ، وقد قال : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] . فجعل تعالى بعثة النبي الأمي شاملة لجميع القرى ; لأنه مبعوث إلى أمها وأصلها التي ترجع إليها . وثبت في الصحيحين عنه ، صلوات الله وسلامه عليه ، أنه قال : " بعثت إلى الأحمر والأسود " . ولهذا ختم به الرسالة والنبوة ، فلا نبي بعده ولا رسول ، بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة .
وقيل : المراد بقوله : ( حتى يبعث في أمها ) أي : أصلها وعظيمتها ، كأمهات الرساتيق والأقاليم . حكاه الزمخشري وابن الجوزي ، وغيرهما ، وليس ببعيد .
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
يقول تعالى ذكره: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ ) يا محمد ( مُهْلِكَ الْقُرَى ) التي حوالي مكة في زمانك وعصرك ( حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا ) يقول: حتى يبعث في مكة رسولا وهي أمّ القرى, يتلو عليهم آيات كتابنا, والرسول: محمد صلى الله عليه وسلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا ) وأمّ القرى مكة, وبعث الله إليهم رسولا محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقوله: ( وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) يقول: ولم نكن لنهلك قرية وهي بالله مؤمنة إنما نهلكها بظلمها أنفسها بكفرها بالله, وإنما أهلكنا أهل مكة بكفرهم بربهم وظلم أنفسهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثنا أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) قال: الله لم يهلك قرية بإيمان, ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها, ولو كانت قرية آمنت لم يهلكوا مع من هلك, ولكنهم كذّبوا وظلموا, فبذلك أُهلكوا.