تفسير الآية 54 من سورة القصص من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
سورة القصص : 54القول في تأويل وتفسير قوله تعالى أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 54 من سورة القصص بالمصحف الشريف:
أولئك الموصوفون بما ذُكِر يعطيهم الله ثواب عملهم مرتين بسبب صبرهم على الإيمان بكتابهم، وبإيمانهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم حين بُعِث، ويدفعون بحسنات أعمالهم الصالحة ما اكتسبوه من الآثام، ومما رزقناهم ينفقون في وجوه الخير.
هؤلاء الذين تقدَّمَتْ صفتُهم يُؤتَوْن ثواب عملهم مرتين: على الإيمان بكتابهم، وعلى إيمانهم بالقرآن بما صبروا، ومن أوصافهم أنهم يدفعون السيئة بالحسنة، ومما رزقناهم ينفقون في سبيل الخير والبر. وإذا سمع هؤلاء القوم الباطل من القول لم يُصْغوا إليه، وقالوا: لنا أعمالنا لا نحيد عنها، ولكم أعمالكم ووزرها عليكم، فنحن لا نشغل أنفسنا بالرد عليكم، ولا تسمعون منَّا إلا الخير، ولا نخاطبهم بمقتضى جهلكم؛ لأننا لا نريد طريق الجاهلين ولا نحبها. وهذا من خير ما يقوله الدعاة إلى الله.
{ أُولَئِكَ } الذين آمنوا بالكتابين { يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ } أجرا على الإيمان الأول، وأجرا على الإيمان الثاني، { بِمَا صَبَرُوا } على الإيمان، وثبتوا على العمل، فلم تزعزعهم عن ذلك شبهة، ولا ثناهم عن الإيمان رياسة ولا شهوة.
و من خصالهم الفاضلة، التي من آثار إيمانهم الصحيح، أنهم { وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } أي: دأبهم وطريقتهم الإحسان لكل أحد، حتى للمسيء إليهم بالقول والفعل، يقابلونه بالقول الحميد والفعل الجميل، لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم، وأنه لا يوفق له إلا ذو حظ عظيم.
( أولئك يؤتون أجرهم مرتين ) لإيمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ، ( بما صبروا ) على دينهم . قال مجاهد : نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا فأوذوا أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حفص الجويني ، أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي ، أخبرنا عثمان ، أخبرنا شعبة ، عن صالح ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيده " . قوله - عز وجل - : ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك ، قال مقاتل : يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو ، ( ومما رزقناهم ينفقون ) في الطاعة .
قال الله : ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ) أي : هؤلاء المتصفون بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول ثم بالثاني [ يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بالرسول الأول ثم بالثاني ] ; ولهذا قال : ( بما صبروا ) أي : على اتباع الحق ; فإن تجشم مثل هذا شديد على النفوس . وقد ورد في الصحيحين من حديث عامر الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي ، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ، حدثنا ابن لهيعة ، عن سليمان بن عبد الرحمن ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : إني لتحت راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ، فقال قولا حسنا جميلا وقال فيما قال : " من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ، وله ما لنا وعليه ما علينا ، [ ومن أسلم من المشركين ، فله أجره ، وله ما لنا وعليه ما علينا ] " .
وقوله ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) أي : لا يقابلون السيئ بمثله ، ولكن يعفون ويصفحون . ( ومما رزقناهم ينفقون ) أي : ومن الذي رزقهم من الحلال ينفقون على خلق الله في النفقات الواجبة لأهلهم وأقاربهم ، والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات ، وصدقات النفل والقربات .
القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم ( يُؤْتَوْنَ ) ثواب عملهم ( مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ).
واختلف أهل التأويل في معنى الصبر الذي وعد الله ما وعد عليه, فقال بعضهم:
وعدهم ما وعد جلّ ثناؤه بصبرهم على الكتاب الأوّل, واتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم, وصبرهم على ذلك. وذلك قول قَتادة, وقد ذكرناه قبل.
وقال آخرون: بل وعدهم بصبرهم بإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث, وباتباعهم إياه حين بعث، وذلك قول الضحاك بن مزاحم, وقد ذكرناه أيضا قبل, وممن وافق قَتادة على قوله:عبد الرحمن بن زيد.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب. قال: قال ابن زيد, في قوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ على دين عيسى, فلما جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم أسلموا, فكان لهم أجرهم مرَّتين بما صبروا أوّل مرّة, ودخلوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
وقال قوم في ذلك بما حدثنا به ابن وكيع, قال: ثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: إن قوما كانوا مشركين أسلموا, فكان قومهم يؤذونهم, فنـزلت: ( أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ) وقوله: ( وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) يقول: ويدفعون بحسنات أفعالهم التي يفعلونها سيئاتهم ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) من الأموال (يُنْفِقٌونَ) في طاعة الله, إما في جهاد في سبيل الله, وإما في صدقة على محتاج, أو في صلة رحم.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ(أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ) وأحسن الله عليهم الثناء كما تسمعون, فقال: ( وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ).