تفسير الآية 85 من سورة المائدة من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ
سورة المائدة : 85القول في تأويل وتفسير قوله تعالى فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 85 من سورة المائدة بالمصحف الشريف:
فجازاهم الله على إيمانهم واعترافهم بالحق جنات تجري الأنهار من تحت قصورها وأشجارها ماكثين فيها أبدًا، وذلك جزاء المحسنين في اتباعهم للحق وانقيادهم له دون قيد أو شرط.
فجزاهم الله بما قالوا من الاعتزاز بإيمانهم بالإسلام، وطلبهم أن يكونوا مع القوم الصالحين، جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ماكثين فيها لا يخرجون منها، ولا يُحوَّلون عنها، وذلك جزاء إحسانهم في القول والعمل.
قال الله تعالى: { فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا } أي: بما تفوهوا به من الإيمان ونطقوا به من التصديق بالحق { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كالنجاشي وغيره ممن آمن منهم. وكذلك لا يزال يوجد فيهم من يختار دين الإسلام، ويتبين له بطلان ما كانوا عليه، وهم أقرب من اليهود والمشركين إلى دين الإسلام.
( فأثابهم الله ) أعطاهم الله ، ( بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) وإنما أنجح قولهم وعلق الثواب بالقول لاقترانه بالإخلاص ، بدليل قوله : ( وذلك جزاء المحسنين ) يعني : الموحدين المؤمنين ، وقوله من قبل : " ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق " يدل على أن الإخلاص والمعرفة بالقلب مع القول يكون إيمانا .
ولهذا قال تعالى ههنا : ( فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي : فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق ( جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) أي : ساكنين فيها أبدا ، لا يحولون ولا يزولون ( وذلك جزاء المحسنين ) أي : في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان ، وأين كان ، ومع من كان .
القول في تأويل قوله : فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فجزاهم الله بقولهم: " رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ =
" جنات تجري من تحتها الأنهار "، يعني: بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار=" خالدين فيها "، يقول: دائمًا فيها مكثهم، لا يخرجون منها ولا يحوَّلون عنها=
" وذلك جزاء المحسنين "، يقول: وهذا الذي جَزَيتُ هؤلاء القائلين بما وصفتُ عنهم من قيلهم على ما قالوا، من الجنات التي هم فيها خالدون، جزاءُ كل محسنٍ في قِيله وفِعله.
* * *
و " إحسان المحسن " في ذلك، أن يوحِّد الله توحيدًا خالصًا محضًا لا شرك فيه، ويقرّ بأنبياء الله وما جاءت به من عند الله من الكتب، ويؤدِّي فرائضَه، ويجتنب معاصيه. (11) فذلك كمال إحسان المحسنين الذين قال الله تعالى ذكره: " جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ". (12)
-------------------
الهوامش :
(11) انظر تفسير"الإحسان" فيما سلف 8: 334 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(12) أخشى أن يكون صواب العبارة: "الذين قال الله تعالى ذكره أنه أثابهم بما قالوا جنات..." ، ولكني تركت ما في المخطوطة والمطبوعة على حاله.