وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ

سورة المائدة : 71

القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 71 من سورة المائدة بالمصحف الشريف:

تفسير المختصر سورة المائدة الآية 71

وظنوا أن نقضهم للعهود والمواثيق، وتكذيبهم، وقتلهم الأنبياء لا يترتب عليه ضرر بهم، فترتب عليه ما لم يظنوه، فَعَمُوا عن الحق، فلا يهتدون إليه، وصَمُّوا عن سماعه سماع قبول، ثم تاب الله عليهم تفضلاً منه، ثم عَمُوا بعد ذلك عن الحق، وصَمُّوا عن سماعه، حدث ذلك لكثير منهم، والله بصير بما يعملونه، لا يخفى عليه منه شيء، وسيجازيهم عليه.

تفسير المُيسّر سورة المائدة الآية 71

وظنَّ هؤلاء العُصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانهم وعُتُوِّهم، فمضوا في شهواتهم، وعمُوا عن الهدى فلم يبصروه، وصَمُّوا عن سماع الحقِّ فلم ينتفعوا به، فأنزل الله بهم بأسه، فتابوا فتاب الله عليهم، ثم عَمِي كثيرٌ منهم، وصمُّوا، بعدما تبين لهم الحقُّ، والله بصير بأعمالهم خيرها وشرها وسيجازيهم عليها.

تفسير السعدي سورة المائدة الآية 71

{ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ْ} أي: ظنوا أن معصيتهم وتكذيبهم لا يجر عليهم عذابا ولا عقوبة، فاستمروا على باطلهم. { فَعَمُوا وَصَمُّوا ْ} عن الحق { ثُمَّ ْ} نعشهم و { تاب الله عَلَيْهِمْ ْ} حين تابوا إليه وأنابوا { ثُمَّ ْ} لم يستمروا على ذلك حتى انقلب أكثرهم إلى الحال القبيحة. { فعَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ْ} بهذا الوصف، والقليل استمروا على توبتهم وإيمانهم. { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ْ} فيجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

تفسير البغوي سورة المائدة الآية 71

( وحسبوا ) ظنوا ( ألا تكون فتنة ) أي : عذاب وقتل ، وقيل : ابتلاء واختبار ، أي : ظنوا أن لا يبتلوا ولا يعذبهم الله ، قرأ أهل البصرة وحمزة والكسائي " تكون " برفع النون على معنى أنها لا تكون ، ونصبها الآخرون كما لو لم يكن قبله لا ) ( فعموا ) عن الحق فلم يبصروه ، ) ( وصموا ) عنه فلم يسمعوه ، يعني عموا وصموا بعد موسى صلوات الله وسلامه عليه ، ( ثم تاب الله عليهم ) ببعث عيسى عليه السلام ، ( ثم عموا وصموا كثير منهم ) بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ( والله بصير بما يعملون ) .

تفسير ابن كثير سورة المائدة الآية 71

(وحسبوا ألا تكون فتنة ) أي : وحسبوا ألا يترتب لهم شر على ما صنعوا ، فترتب ، وهو أنهم عموا عن الحق وصموا ، فلا يسمعون حقا ولا يهتدون إليه ( ثم تاب الله عليهم ) أي : مما كانوا فيه ( ثم عموا وصموا )
أي : بعد ذلك ( [ وصموا ] كثير منهم والله بصير بما يعملون ) أي : مطلع عليهم وعليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية .

تفسير الطبري سورة المائدة الآية 71

القول في تأويل قوله : وَحَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)
قال أبو جعفر: يقول تعالى: وظن هؤلاء الإسرائيليون (1) = الذين وصف تعالى ذكره صفتهم: أنه أخذ ميثاقهم: وأنه أرسل إليهم رسلا وأنهم كانوا كلما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم كذّبوا فريقًا وقتلوا فريقًا= أن لا يكون من الله لهم ابتلاء واختبارٌ بالشدائد من العقوبات بما كانوا يفعلون (2)
=" فعموا وصموا "، يقول: فعموا عن الحق والوفاء بالميثاق الذي أخذته عليهم، من إخلاص عبادتي، والانتهاء إلى أمري ونهيي، والعمل بطاعتي، بحسبانهم ذلك وظنهم =" وصموا " عنه = ثم تبت عليهم. يقول: ثم هديتهم بلطف مني لهم حتى أنابوا ورجعوا عما كانوا عليه من معاصيَّ وخلاف أمري والعمل بما أكرهه منهم، إلى العمل بما أحبه، والانتهاء إلى طاعتي وأمري ونهيي =" ثم عموا وصموا كثير منهم "، (3) يقول: ثم عموا أيضًا عن الحق والوفاء بميثاقي الذي أخذته عليهم: من العمل بطاعتي، والانتهاء إلى أمري، واجتناب معاصيَّ =" وصموا كثير منهم "، يقول: عمى كثير من هؤلاء الذين كنت أخذت ميثاقهم من بني إسرائيل، باتباع رسلي والعمل بما أنـزلت إليهم من كتبي (4) = عن الحق وصموا، بعد توبتي عليهم، واستنقاذي إياهم من الهلكة =" والله بصير بما يعملون "، يقول " بصير "، فيرى أعمالهم خيرَها وشرَّها، فيجازيهم يوم القيامة بجميعها، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا. (5)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
12288 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وحسبوا ألا تكون فتنة "، الآية، يقول: حسب القوم أن لا يكون بلاءٌ =" فعموا وصموا "، كلما عرض بلاء ابتلوا به، هلكوا فيه.
12289 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا "، يقول: حسبوا أن لا يبتلوا، فعموا عن الحق وصمُّوا.
12290 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن مبارك، عن الحسن: " وحسبوا ألا تكون فتنة "، قال: بلاء.
12291 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " وحسبوا ألا تكون فتنة "، قال: الشرك.
12292 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا "، قال: اليهود.
12293 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " فعموا وصموا "، قال: يهود= قال ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قال: هذه الآية لبني إسرائيل. قال: و " الفتنة "، البلاء والتَّمحيص.
* * *