تفسير الآية 46 من سورة المائدة من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ
سورة المائدة : 46القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 46 من سورة المائدة بالمصحف الشريف:
وأتبعنا آثار أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم مؤمنًا بما في التوراة، وحاكمًا بها، وأعطيناه الإنجيل مشتملاً على الهداية للحق، وعلى ما يزيل الشبهات من الحجج، ويحل المشكلات من الأحكام، وموافقًا لما نزل من قبله من التوراة إلا في القليل مما نسخه من أحكامها، وجعلنا الإنجيل هدًى يُهْتدى به، وزاجرًا عن ارتكاب ما حرمه عليهم.
وأتبعنا أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم مؤمنًا بما في التوراة، عاملا بما فيها مما لم ينسخه كتابه، وأنزلنا إليه الإنجيل هاديا إلى الحق، ومبيِّنًا لما جهله الناس مِن حكم الله، وشاهدًا على صدق التوراة بما اشتمل عليه من أحكامها، وقد جعلناه بيانًا للذين يخافون الله وزاجرًا لهم عن ارتكاب المحرَّمات.
أي: وأتبعنا هؤلاء الأنبياءَ والمرسلين، الذين يحكمون بالتوراة، بعبدنا ورسولنا عيسى ابن مريم، روحِ الله وكلمتِه التي ألقاها إلى مريم. بعثه الله مصدقا لما بين يديه من التوراة، فهو شاهد لموسى ولما جاء به من التوراة بالحق والصدق، ومؤيد لدعوته، وحاكم بشريعته، وموافق له في أكثر الأمور الشرعية. وقد يكون عيسى عليه السلام أخف في بعض الأحكام، كما قال تعالى عنه أنه قال لبني إسرائيل: { وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ْ} { وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ ْ} الكتاب العظيم المتمم للتوراة. { فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ْ} يهدي إلى الصراط المستقيم، ويبين الحق من الباطل. { وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ْ} بتثبيتها والشهادة لها والموافقة. { وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِّلْمُتَّقِينَ ْ} فإنهم الذين ينتفعون بالهدى، ويتعظون بالمواعظ، ويرتدعون عما لا يليق.
قوله تعالى : ( وقفينا على آثارهم ) أي : على آثار النبيين الذين أسلموا ، ( بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه ) أي : في الإنجيل ، ( هدى ونور ومصدقا ) يعني الإنجيل ، ( لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين )
قول تعالى : " وقفينا " أي : أتبعنا ( على آثارهم ) يعني : أنبياء بني إسرائيل [ عليه السلام ] ( بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي : مؤمنا بها حاكما بما فيها ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) أي : هدى إلى الحق ، ونور يستضاء به في إزالة الشبهات وحل المشكلات . ( ومصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي : متبعا لها ، غير مخالف لما فيها ، إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه ، كما قال تعالى إخبارا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل : ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) [ آل عمران : 50 ] ; ولهذا كان المشهور من قولي العلماء أن الإنجيل نسخ بعض أحكام التوراة .
وقوله : ( وهدى وموعظة للمتقين ) أي : وجعلنا الإنجيل ) هدى ) يهتدى به ، ( وموعظة ) أي : وزاجرا عن ارتكاب المحارم والمآثم ( للمتقين ) أي : لمن اتقى الله وخاف وعيده وعقابه .
القول في تأويل قوله عز ذكره : وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وقفينا على آثارهم "، (1) أتبعنا. يقول: أتبعنا عيسى ابن مريم على آثار النبيين الذين أسلموا من قبلك، يا محمد، فبعثناه نبيًّا مصدّقا لكتابنا الذي أنـزلناه إلى موسى من قبله أنّه حق، وأن العمل بما لم ينسخه الإنجيل منه فرضٌ واجب=" وآتيناه الإنجيل "، يقول: وأنـزلنا إليه كتابنا الذي اسمه " الإنجيل "" فيه هدى ونور " يقول: في الإنجيل " هدًى "، وهو بيان ما جهله الناس من حكم الله في زمانه=" ونور "، يقول: وضياء من عَمَى الجهالة=" ومصدقًا لما بين يديه "، يقول: أوحينا إليه ذلك وأنـزلناه إليه بتصديق ما كان قبله من كتب الله التي كان أنـزلها على كل أمة أُنـزل إلى نبيِّها كتاب للعمل بما أنـزل إلى نبيهم في ذلك الكتاب، من تحليل ما حلّل، وتحريم ما حرّم=
" وهدى وموعظة "، يقول: أنـزلنا الإنحيل إلى عيسى مصدِّقا للكتب التي قبله، وبيانًا لحكم الله الذي ارتضاه لعباده المتَّقين في زمان عيسى،=" وموعظة "، لهم= يقول: وزجرًا لهم عما يكرهه الله إلى ما يحبُّه من الأعمال، وتنبيهًا لهم عليه.
و " المتقون "، هم الذين خافوا الله وحَذِروا عقابه، فاتقوه بطاعته فيما أمرهم، وحذروه بترك ما نهاهم عن فعله. وقد مضى البيان عن ذلك بشواهده قبل، فأغنى ذلك عن إعادته. (2)
-----------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير"قفى" فيما سلف 2: 318.
(2) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.