تفسير الآية 160 من سورة آل عمران من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
سورة آل عمران : 160القول في تأويل وتفسير قوله تعالى إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 160 من سورة آل عمران بالمصحف الشريف:
إن يؤيدكم الله بإعانته ونصره فلا أحد يغلبكم، ولو اجتمع عليكم أهل الأرض، وإذا ترك نصركم ووَكَلَكم إلى أنفسكم فلا أحد يستطيع أن ينصركم من بعده، فالنصر بيده وحده، وعلى الله فليعتمد المؤمنون لا على أحد سواه.
إن يمددكم الله بنصره ومعونته فلا أحد يستطيع أن يغلبكم، وإن يخذلكم فمن هذا الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خذلانه لكم؟ وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون.
أي: إن يمددكم الله بنصره ومعونته { فلا غالب لكم } فلو اجتمع عليكم من في أقطارها وما عندهم من العدد والعُدد، لأن الله لا مغالب له، وقد قهر العباد وأخذ بنواصيهم، فلا تتحرك دابة إلا بإذنه، ولا تسكن إلا بإذنه. { وإن يخذلكم } ويكلكم إلى أنفسكم { فمن ذا الذي ينصركم من بعده } فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق. وفي ضمن ذلك الأمر بالاستنصار بالله والاعتماد عليه، والبراءة من الحول والقوة، ولهذا قال: { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } بتقديم المعمول يؤذن بالحصر، أي: على الله توكلوا لا على غيره، لأنه قد علم أنه هو الناصر وحده، فالاعتماد عليه توحيد محصل للمقصود، والاعتماد على غيره شرك غير نافع لصاحبه، بل ضار. وفي هذه الآية الأمر بالتوكل على الله وحده، وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله.
( إن ينصركم الله ) يعنكم الله ويمنعكم من عدوكم ، ( فلا غالب لكم ) مثل يوم بدر ، ( وإن يخذلكم ) يترككم فلم ينصركم كما كان بأحد والخذلان : القعود عن النصرة والإسلام للهلكة ، ( فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) أي : من بعد خذلانه ، ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) قيل : التوكل أن لا تعصي الله من أجل رزقك وقيل : أن لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله ولا لرزقك خازنا غيره ولا لعملك شاهدا غيره .
أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن شجاع البزار ببغداد ، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الهيثم الأنباري ، أخبرنا محمد بن أبي العوام أخبرنا وهب بن جرير ، أخبرنا هشام بن حسان عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل سبعون ألفا من أمتي الجنة بغير حساب " قيل : يا رسول الله من هم؟ قال : " هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " فقال عكاشة بن محصن : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال : " أنت منهم " ثم قام آخر فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال : " سبقك بها عكاشة " .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أنا عبد الله بن المبارك ، عن حياة بن شريح ، حدثني بكر بن عمرو ، عن عبد الله بن هبيرة ، أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " .
وقوله : ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) وهذا كما تقدم من قوله : ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) [ آل عمران : 126 ] ثم أمرهم بالتوكل عليه فقال : ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )
القول في تأويل قوله : إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: " إن ينصركم الله "، أيها المؤمنون بالله ورسوله، على من ناوأكم وعاداكم من أعدائه والكافرين به =" فلا غالب لكم " من الناس، يقول: فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد، ولو اجتمع عليكم مَن بين أقطارها من خلقه، فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عددهم، ما كنتم على أمره واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله، فإن الغلبة لكم والظفر، دونهم =" وإن يخذُلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده "، يعني: إن يخذلكم ربكم بخلافكم أمره وترككم طاعته وطاعة رسوله، فيكلكم إلى أنفسكم =" فمن ذا الذي ينصركم من بعده "، يقول: فأيسوا من نصرة الناس، (20) فإنكم لا تجدون [ناصرًا] من بعد خذلان الله إياكم إن خذلكم، (21) يقول: فلا تتركوا أمري وطاعتي وطاعة رسولي فتهلكوا بخذلاني إياكم =" وعلى الله فليتوكل المؤمنون "، يعني: ولكن على ربكم، أيها المؤمنون، فتوكلوا دون سائر خلقه، وبه فارضوا من جميع من دونه، ولقضائه فاستسلموا، وجاهدوا فيه أعداءه، يكفكم بعونه، ويمددكم بنصره. كما:-
8135- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون "، أي: إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس = لن يضرك خذلان من خذلك، و إن يخذلك فلن ينصرك الناس =" فمن الذي ينصركم من بعده "، أي: لا تترك أمري للناس، وارفض [أمر] الناس لأمري، وعلى الله، [لا على الناس]، فليتوكل المؤمنون. (22)
----------------
الهوامش :
(20) أيست من الشيء آيس يأسًا ، لغة في"يئست منه أيأس يأسًا" ، وقد سلف مثل ذلك في موضع آخر لم أجده الآن.
(21) في المطبوعة: "فإنكم لا تجدون امرءًا من بعد خذلان الله" ، وفي المخطوطة: "لا تجدون أمرًا" ، ولم أجد لهما معنى أرتضيه ، فوضعت"ناصرًا" مكان"أمرًا" بين القوسين ، استظهارًا من معنى الآية ، وإن كنت أخشى أن يكون قد سقط من الناسخ شيء ، أو كتبت شيئًا مصحفًا لم أهتد لأصله. وانظر سهو الناسخ في التعليق التالي.
(22) الأثر: 8135- سيرة ابن هشام 3: 124 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها: 8132 ، بيد أنه في سيرة ابن هشام مختصر. لم يرو ابن هشام صدر هذا الخبر ، بل بدأ من قوله: "أي: لا تترك" ، وقد أخطأ الناسخ فيما أرجح فسقط منه ما أثبت من سيرة ابن هشام بين الأقواس.