تفسير الآية 127 من سورة آل عمران من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ
سورة آل عمران : 127القول في تأويل وتفسير قوله تعالى لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 127 من سورة آل عمران بالمصحف الشريف:
هذا النصر الذي تحقق لكم في غزوة بدر أراد الله به أن يهلك طائفة من الذين كفروا بالقتل، ويخزي طائفة أخرى، ويغيظهم بهزيمتهم، فيرجعوا بفشل وذل.
وكان نصر الله لكم بـ "بدْر" ليهلك فريقًا من الكفار بالقتل، ومن نجا منهم من القتل رجع حزينًا قد ضاقت عليه نفسه، يَظْهر عليه الخزي والعار.
يخبر تعالى أن نصره عباده المؤمنين لأحد أمرين: إما أن يقطع طرفا من الذين كفروا، أي: جانبا منهم وركنا من أركانهم، إما بقتل، أو أسر، أو استيلاء على بلد، أو غنيمة مال، فيقوى بذلك المؤمنون ويذل الكافرون، وذلك لأن مقاومتهم ومحاربتهم للإسلام تتألف من أشخاصهم وسلاحهم وأموالهم وأرضهم فبهذه الأمور تحصل منهم المقاومة والمقاتلة فقطع شيء من ذلك ذهاب لبعض قوتهم، الأمر الثاني أن يريد الكفار بقوتهم وكثرتهم، طمعا في المسلمين، ويمنوا أنفسهم ذلك، ويحرصوا عليه غاية الحرص، ويبذلوا قواهم وأموالهم في ذلك، فينصر الله المؤمنين عليهم ويردهم خائبين لم ينالوا مقصودهم، بل يرجعون بخسارة وغم وحسرة، وإذا تأملت الواقع رأيت نصر الله لعباده المؤمنين دائرا بين هذين الأمرين، غير خارج عنهما إما نصر عليهم أو خذل لهم.
قوله تعالى : ( ليقطع طرفا من الذين كفروا ) يقول : لقد نصركم الله ببدر ليقطع طرفا أي : لكي يهلك طائفة من الذين كفروا وقال السدي : معناه ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر ، فقتل من قادتهم وسادتهم يوم بدر سبعون وأسر سبعون ومن حمل الآية على حرب أحد فقد قتل منهم يومئذ ستة عشر وكانت النصرة للمسلمين حتى خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فانقلب عليهم ، ( أو يكبتهم ) قال الكلبي : يهزمهم وقال يمان : يصرعهم لوجوههم ، قال السدي : يلعنهم ، وقال أبو عبيدة : يهلكهم ، وقيل : يحزنهم ، والمكبوت : الحزين وقيل أصله : يكبدهم أي : يصيب الحزن والغيظ أكبادهم ، والتاء والدال يتعاقبان كما يقال سبت رأسه وسبده : إذا حلقه ، وقيل : يكبتهم بالخيبة ، ( فينقلبوا خائبين ) ينالوا شيئا مما كانوا يرجون من الظفر بكم .
ثم قال تعالى : ( ليقطع طرفا من الذين كفروا ) أي : أمركم بالجهاد والجلاد ، لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير ، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين . فقال : ( ليقطع طرفا ) أي : ليهلك أمة ( من الذين كفروا أو يكبتهم ) أي : يخزيهم ويردهم بغيظهم لما لم ينالوا منكم ما أرادوا ، ولهذا قال : ( أو يكبتهم فينقلبوا ) أي : يرجعوا ( خائبين ) أي : لم يحصلوا على ما أملوا .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وما جعل الله وعده إياكم ما وعدكم من إمداده إياكم بالملائكة الذين ذكر عددهم =" إلا بشرى لكم "، يعني بشرى، يبشركم بها =" ولتطمئن قلوبكم به "، يقول. وكي تطمئن بوعده الذي وعدكم من ذلك قلوبكم، فتسكن إليه، ولا تجزع من كثرة عدد عدوكم، وقلة عددكم =" وما النصر إلا من عند الله "، يعني: وما ظفركم إن ظفرتم بعدوكم إلا بعون الله، لا من قِبَل المدد الذي يأتيكم من الملائكة. يقول: فعلى الله فتوكلوا، وبه فاستعينوا، لا بالجموع وكثرة العدد، فإن نصركم إن كان إنما يكون بالله وبعونه ومعكم من ملائكته خمسة آلاف، (51) فإنه إلى أن يكون ذلك بعون الله وبتقويته إياكم على عدوكم، وإن كان معكم من البشر جموع كثيرة = أحْرَى، (52) فاتقوا الله واصبروا على جهاد عدوكم، فإن الله ناصركم عليهم. كما:-
7793- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وما جعله الله إلا بشرى لكم "، يقول: إنما جعلهم ليستبشروا بهم وليطمئنوا إليهم، ولم يقاتلوا معهم يومئذ = يعني يوم أحد = قال مجاهد: ولم يقاتلوا معهم يومئذ ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر.
7794- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: " وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به "، لما أعرف من ضعفكم، وما النصر إلا من عندي بسلطاني وقدرتي، وذلك أن العزّ والحكم إلىّ، (53) لا إلى أحد من خلقي. (54)
7795- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " وما النصر إلا من عند الله "، لو شاء أن ينصركم بغير الملائكة فعَل " العزيز الحكيم ".
* * *
وأما معنى قوله: " العزيز الحكيم "، فإنه جل ثناؤه يعني: " العزيز " في انتقامه من أهل الكفر به بأيدي أوليائه من أهل طاعته =" الحكيم " في تدبيره لكم، أيها المؤمنون، على أعدائكم من أهل الكفر، وغير ذلك من أموره. (55) يقول: فأبشروا أيها المؤمنون، بتدبيري لكم على أعدائكم، ونصري إياكم عليهم، إن أنتم أطعتموني فيما أمرتكم به، وصبرتم لجهاد عدوِّى وعدوِّكم.
----------------
الهوامش :
(51) في المخطوطة والمطبوعة: "وبعونه معكم من ملائكته. . ." بإسقاط الواو من"معكم" ، وهو خلل في الكلام والسياق.
(52) سياق الكلام: "فإنه إلى أن يكون ذلك بعون الله وبتقويته إياكم. . . أحرى". ثم انظر إلى هذا الإمام كيف يتحرى في بيان معاني كتاب الله إخلاص التوحيد لله ، ونفى الشرك عنه في صفاته سبحانه ، فأخرج من النصر ما يتوهم المتوهم أن نزول الملائكة كان هو سبب نصر المؤمنين ، فلخص المعنى تلخيصًا كله تقوى لله وإخلاص له ، ونفي للشرك عن صفاته سبحانه ، فبين أن النصر من عند الله للمؤمنين وللملائكة جميعًا على عدو الله وعدوهم ، وأنهم إنما كانوا مددًا للمؤمنين ، كما قال ربنا سبحانه. وهذا من فقه أبي جعفر وبصره وتحققه بمعاني هذا الكتاب الذي لا يدرك أحد توحيد الله حق توحيده إلا بتلاوته وفهمه وتفقهه فيه ، واتباعه لبيانه العربي المحكم. ورحم الله أبا جعفر ، فإنه كان إمامًا في التفسير ، قيما عليه.
(53) في المطبوعة: "وذلك أني أعرف الحكمة التي لا إلى أحد من خلقي" ، وهو كلام قد ضل عنه معناه. وفي المخطوطة: "وذلك أن العرف الحكمة التي لا إلى أحد من خلقي" ، وهو شبيه به في الخطل. والصواب ما أثبته من نص ابن إسحاق في سيرة ابن هشام.
(54) الأثر: 7994- سيرة ابن هشام 3: 114 ، وهو تابع للأثرين السالفين: 7733 ، 7741.
(55) في المخطوطة: "في تدبيره ولكم أيها المؤمنون وعلى أعدائكم" ، وهو لا يستقيم مع سياقته ، والصواب ما في المطبوعة.