تفسير الآية 172 من سورة البقرة من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
سورة البقرة : 172القول في تأويل وتفسير قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 172 من سورة البقرة بالمصحف الشريف:
172 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، كلوا من الطيبات التي رزقكم الله وأباحها لكم، واشكروا لله ظاهرًا وباطنًا ما تفضل به عليكم من النعم، ومِن شُكره تعالى أن تعملوا بطاعته، وأن تجتنبوا معصيته، إن كنتم حقًّا تعبدونه وحده، ولا تشركون به شيئًا.
يا أيها المؤمنون كلوا من الأطعمة المستلَذَّة الحلال التي رزقناكم، ولا تكونوا كالكفار الذين يحرمون الطيبات، ويستحِلُّون الخبائث، واشكروا لله نعمه العظيمة عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم، إن كنتم حقًا منقادين لأمره، سامعين مطيعين له، تعبدونه وحده لا شريك له.
هذا أمر للمؤمنين خاصة, بعد الأمر العام, وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي, بسبب إيمانهم, فأمرهم بأكل الطيبات من الرزق, والشكر لله على إنعامه, باستعمالها بطاعته, والتقوي بها على ما يوصل إليه، فأمرهم بما أمر به المرسلين في قوله { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا } فالشكر في هذه الآية, هو العمل الصالح، وهنا لم يقل " حلالا " لأن المؤمن أباح الله له الطيبات من الرزق خالصة من التبعة، ولأن إيمانه يحجزه عن تناول ما ليس له. وقوله { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } أي: فاشكروه، فدل على أن من لم يشكر الله, لم يعبده وحده, كما أن من شكره, فقد عبده, وأتى بما أمر به، ويدل أيضا على أن أكل الطيب, سبب للعمل الصالح وقبوله، والأمر بالشكر, عقيب النعم؛ لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة, ويجلب النعم المفقودة كما أن الكفر, ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة.
قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ) حلالات ( ما رزقناكم )
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أخبرنا علي بن الجعد أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا " ( 51 - المؤمنون ) وقال ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " ( واشكروا لله ) على نعمه ( إن كنتم إياه تعبدون ) ثم بين المحرمات فقال
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم تعالى ، وأن يشكروه على ذلك ، إن كانوا عبيده ، والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة ، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا أبو النضر ، حدثنا الفضيل بن مرزوق ، عن عدي بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) [ المؤمنون : 51 ] وقال : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء : يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك " .
ورواه مسلم في صحيحه ، والترمذي من حديث [ فضيل ] بن مرزوق .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " يا أيها الذين آمنوا "، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله, وأقروا لله بالعبودية, وأذعنوا له بالطاعة، كما:-
2467- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر, عن الضحاك في قوله: " يا أيها الذين آمنوا "، يقول: صدَّقوا.
* * *
" كلوا من طيبات ما رَزَقناكم "، يعني: اطعَموا من حَلال الرزق الذي أحللناهُ لكم, فطاب لكم بتحليلي إياه لكم، مما كنتم تحرِّمونَ أنتم، ولم أكن حرمته عليكم، من المطاعم والمشارب." واشكروا لله "، يقول: وأثنوا على الله بما هو أهله منكم، على النعم التي رزقكم وَطيَّبها لكم." إن كنتم إياه تعبدون "، يقول: إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين, فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيَّبه لكم, ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان.
وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرِّمونه من المطاعم, وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه, إذْ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعةً منهم للشيطان، واتباعًا لأهل الكفر منهم بالله من الآباء والأسلاف. ثم بيّن لهم تعالى ذكره ما حرَّم عليهم, وفصَّله لهم مُفسَّرًا. (21)
------------------
الهوامش :
(21) في المطبوعة : "وفصل لهم" ، والصواب ما أثبت . وهذا الذي قاله هنا برهان آخر على أن أبا جعفر قد اضطرب في قصة هذه الآيات ، فهو قد عاد وجعل بعض الآيات السالفة ، في مشركي العرب في جاهليتهم ، كما ترى ، وهو بين أيضًا في تفسيرة الآية التالية . انظر ص : 314 ، تعليق : 1 .