تفسير الآية 169 من سورة البقرة من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
سورة البقرة : 169القول في تأويل وتفسير قوله تعالى إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 169 من سورة البقرة بالمصحف الشريف:
169 - فهو إنما يأمركم بما يسوء من الآثام وما يعظم من الذنوب، وبأن تقولوا على الله في العقائد والشرائع بغير علم جاءكم عن الله أو رسله.
إنما يأمركم الشيطان بكل ذنب قبيح يسوءُكم، وبكل معصية بالغة القبح، وبأن تفتروا على الله الكذب من تحريم الحلال وغيره بدون علم.
فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته, حتى أخبرنا - وهو أصدق القائلين - بعداوته الداعية للحذر منه, ثم لم يكتف بذلك, حتى أخبرنا بتفصيل ما يأمر به, وأنه أقبح الأشياء, وأعظمها مفسدة فقال: { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ } أي: الشر الذي يسوء صاحبه, فيدخل في ذلك, جميع المعاصي، فيكون قوله: { وَالْفَحْشَاءِ } من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الفحشاء من المعاصي, ما تناهى قبحه, كالزنا, وشرب الخمر, والقتل, والقذف, والبخل ونحو ذلك, مما يستفحشه من له عقل، { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } فيدخل في ذلك, القول على الله بلا علم, في شرعه, وقدره، فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله, أو نفى عنه ما أثبته لنفسه, أو أثبت له ما نفاه عن نفسه, فقد قال على الله بلا علم، ومن زعم أن لله ندا, وأوثانا, تقرب من عبدها من الله, فقد قال على الله بلا علم، ومن قال: إن الله أحل كذا, أو حرم كذا, أو أمر بكذا, أو نهى عن كذا, بغير بصيرة, فقد قال على الله بلا علم، ومن قال: الله خلق هذا الصنف من المخلوقات, للعلة الفلانية بلا برهان له بذلك, فقد قال على الله بلا علم، ومن أعظم القول على الله بلا علم, أن يتأول المتأول كلامه, أو كلام رسوله, على معان اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال, ثم يقول: إن الله أرادها، فالقول على الله بلا علم, من أكبر المحرمات, وأشملها, وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها, فهذه طرق الشيطان التي يدعو إليها هو وجنوده, ويبذلون مكرهم وخداعهم, على إغواء الخلق بما يقدرون عليه. وأما الله تعالى, فإنه يأمر بالعدل والإحسان, وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فلينظر العبد نفسه, مع أي الداعيين هو, ومن أي الحزبين؟ أتتبع داعي الله الذي يريد لك الخير والسعادة الدنيوية والأخروية, الذي كل الفلاح بطاعته, وكل الفوز في خدمته, وجميع الأرباح في معاملة المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة, الذي لا يأمر إلا بالخير, ولا ينهى إلا عن الشر، أم تتبع داعي الشيطان, الذي هو عدو الإنسان, الذي يريد لك الشر, ويسعى بجهده على إهلاكك في الدنيا والآخرة؟ الذي كل الشر في طاعته, وكل الخسران في ولايته، الذي لا يأمر إلا بشر, ولا ينهى إلا عن خير.
ثم ذكر عداوته فقال: {إنما يأمركم بالسوء} أي بالإثم، وأصل السوء ما يسوء صاحبه، وهو مصدر ساء يسوء سوأ ومساءة أي أحزنه، وسوأته فساء أي حزنته فحزن.
{والفحشاء} المعاصي وما قبح من القول والفعل وهو مصدر كالسراء والضراء.
روى باذان عن ابن عباس قال: "الفحشاء من المعاصي ما يجب فيه الحد والسوء من الذنوب ما لا حد فيه". وقال السدي: "هي الزنا"، وقيل: هي البخل.
{أن تقولوا على الله ما لا تعلمون} من تحريم الحرث والأنعام.
وقوله : ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) أي : إنما يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة ، وأغلظ منها الفاحشة كالزنا ونحوه ، وأغلظ من ذلك وهو القول على الله بلا علم ، فيدخل في هذا كل كافر وكل مبتدع أيضا .
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (169)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " إنما يأمرُكم "، الشيطانَ،" بالسوء والفحشاء وأن تَقولوا على الله ما لا تعلمون ".
* * *
" والسوء ": الإثم، مثل " الضُّرّ"، من قول القائل: " ساءك هذا الأمر يَسوءك سُوءًا "، وهو ما يَسوء الفاعل.
* * *
وأما " الفحشاء "، فهي مصدر مثل " السراء والضراء "، (65) وهي كل ما استُفحش ذكرُه، وقَبُح مَسموعه.
وقيل: إن " السوء " الذي ذكره الله، هو معاصي الله. فإن كان ذلك كذلك, فإنما سَمَّاها الله " سوءًا " لأنها تسوء صاحبها بسوء عاقبتها له عند الله. وقيل: إن " الفحشاء "، الزنا: فإن كان ذلك كذلك, فإنما يُسمى [كذلك]، (66) لقبح مسموعه، ومكرُوه ما يُذْكَر به فاعله.
* ذكر من قال ذلك:
2445- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " إنما يأمركم بالسوء والفحشاء "، أمّا " السوء "، فالمعصية, وأما " الفحشاء "، فالزنا.
* * *
وأما قوله: " وأنْ تَقولوا على الله مَا لا تعلمون "، فهو ما كانوا يحرِّمون من البحائر والسوائب والوَصائل والحوامي, ويزعمون أن الله حرَّم ذلك. فقال تعالى ذكره لهم: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [سورة المائدة: 103] فأخبرهم تعالى ذكره في هذه الآية، (67) أنّ قيلهم: " إنّ الله حرم هذا!" من الكذب الذي يأمرهم به الشيطان, وأنه قد أحلَّه لهم وطيَّبه, ولم يحرم أكله عليهم, ولكنهم يقولون على الله ما لا يعلمون حقيقته، طاعةً منهم للشيطان, واتباعًا منهم خطواته, واقتفاء منهم آثارَ أسلافهم الضُّلال وآبائهم الجهال, الذين كانوا بالله وبما أنـزل على رسوله جُهالا وعن الحق ومنهاجه ضُلالا - وإسرافًا منهم, كما أنـزل الله في كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ذكره: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا .
* * *
---------------------------
الهوامش:
(65) لعل الصواب ، "فهي اسم مصدر" .
(66) ما بين القوسين زيادة يستقيم بها الكلام .
(67) في المطبوعة ، "وأخبرهم" بالواو ، والصواب الجيد ما أثبت .