تفسير الآية 162 من سورة البقرة من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
سورة البقرة : 162القول في تأويل وتفسير قوله تعالى خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 162 من سورة البقرة بالمصحف الشريف:
ملازمين هذه اللعنة، لا يُخَفف عنهم العذاب، ولو يومًا واحدًا، ولا يُمْهلون يوم القيامة.
دائمين في اللعنة والنار، لا يخفف عنهم العذاب، ولا هم يمهلون بمعذرة يعتذرون بها.
و { خَالِدِينَ فِيهَا } أي: في اللعنة, أو في العذاب والمعنيان { لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ } بل عذابهم دائم شديد مستمر { وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } أي: يمهلون, لأن وقت الإمهال وهو الدنيا قد مضى, ولم يبق لهم عذر فيعتذرون.
{خالدين فيها} مقيمين في اللعنة، وقيل: في النار.
{لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} لا يمهلون ولا يؤجلون، وقال أبو العالية : "لا يُنْظرون فيعتذروا كقوله تعالى {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [36-المرسلات]".
أي : في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة ثم المصاحبة لهم في نار جهنم التي ( لا يخفف عنهم العذاب ) فيها ، أي : لا ينقص عما هم فيه ( ولا هم ينظرون ) أي : لا يغير عنهم ساعة واحدة ، ولا يفتر ، بل هو متواصل دائم ، فنعوذ بالله من ذلك .
وقال أبو العالية وقتادة : إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون .
فصل : لا خلاف في جواز لعن الكفار ، وقد كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعمن بعده من الأئمة ، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره ; فأما الكافر المعين ، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم له ، واستدل بعضهم بهذه الآية : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) وقالت طائفة أخرى : بل يجوز لعن الكافر المعين . واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف ، واستدل غيره بقوله ، عليه السلام ، في صحيح البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده ، فقال رجل : لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " قالوا : فعلة المنع من لعنه ; بأنه يحب الله ورسوله فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)
* * *
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: ما الذي نصب " خالدين فيها "؟
قيل: نُصب على الحال من " الهاء والميم " اللتين في" عليهم ". وذلك أنّ معنى قوله: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ ، أولئك يلعنهم الله والملائكةُ والناس أجمعون خالدين فيها. ولذلك قرأ ذلك: " أولئك عَليهم لعنة الله والملائكةُ والناس أجمعون " مَنْ قرأَهُ كذلك، (90) توجيهًا منه إلى المعنى الذي وصفتُ. وذلك وإن كان جائزًا في العربية, فغيرُ جائزةٍ القراءةُ به، لأنه خلافٌ لمصاحف المسلمين، وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضًا فيهم. فغير جائز الاعتراضُ بالشاذّ من القول، على ما قد ثبتت حُجته بالنقل المستفيض.
* * *
وأما " الهاء والألف " اللتان في قوله: " فيها "، فإنهما عائدتان على " اللعنة ", والمرادُ بالكلام: ما صار إليه الكافر باللعنة من الله ومن ملائكته ومن الناس. والذي صار إليه بها، نارُ جهنم. وأجرى الكلام على " اللعنة "، والمراد بها ما صار إليه الكافر، كما قد بينا من نظائر ذلك فيما مضى قبل، كما:-
2396- حدثت عن عمار قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية: " خالدين فيها "، يقول: خالدين في جهنم، في اللعنة.
* * *
وأما قوله: " لا يخفّف عنهم العذاب "، فإنه خبرٌ من الله تعالى ذكره عن دَوَام العذاب أبدًا من غير توقيت ولا تخفيف, كما قال تعالى ذكره: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [سورة فاطر: 36]، وكما قال: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [سورة النساء: 56]
* * *
وأما قوله: " ولا هم يُنظرون "، فإنه يعني: ولا هُم يُنظرون بمعذرة يَعتذرون، كما:-
2397- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية: " ولا هم ينظرون "، يقول: لا يُنظرون فيعتذرون, كقوله: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ . [سورة المرسلات: 35-36]
-----------------------
الهوامش :
(90) في المطبوعة : "والناس أجميعن" ، وهو خطأ ، والصواب ما أثبت ، برفع"الملائكة والناس أجمعون" ، وهي قراءة الحسن . وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 96-97 ، وتفسير هذه الآية في سائر كتب التفسير .