تفسير الآية 69 من سورة الأنعام من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَٰكِنْ ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
سورة الأنعام : 69القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَٰكِنْ ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 69 من سورة الأنعام بالمصحف الشريف:
وليس على الذين يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه من حساب هؤلاء الظالمين من شيء، وإنما عليهم أن يَنْهَوْهُم عما يرتكبونه من منكر، لعلهم يتقون الله، فيمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه.
وما على المؤمنين الذين يخافون الله تعالى، فيطيعون أوامره، ويجتنبون نواهيه من حساب الله للخائضين المستهزئين بآيات الله من شيء، ولكن عليهم أن يعظوهم ليمسكوا عن ذلك الكلام الباطل، لعلهم يتقون الله تعالى.
هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال: { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّرُ من الكلام، ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ، مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره، إلى أن تركه هو الواجب لأنه إذا ناقض المقصود، كان تركه مقصودا.
( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) روي عن ابن عباس أنه قال : لما نزلت هذه الآية : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ) قال المسلمون : كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبدا؟ وفي رواية قال المسلمون : فإنا نخاف الإثم حين نتركهم ولا ننهاهم ، فأنزل الله عز وجل : ( وما على الذين يتقون ) الخوض ، ( من حسابهم ) أي : من آثام الخائضين ( من شيء ولكن ذكرى ) أي : ذكروهم وعظوهم بالقرآن ، والذكر والذكرى واحد ، يريد ذكروهم ذكري ، فتكون في محل النصب ، ( لعلهم يتقون ) الخوض إذا وعظتموهم فرخص في مجالستهم على الوعظ لعله يمنعهم من ذلك الخوض ، وقيل : لعلهم يستحيون .
وقوله : ( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) أي : إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك ، فقد برئوا من عهدتهم ، وتخلصوا من إثمهم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير ، قوله : ( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) قال : ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك ، أي : إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم .
وقال آخرون : بل معناه : وإن جلسوا معهم ، فليس عليهم من حسابهم من شيء . وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية ، وهي قوله : ( إنكم إذا مثلهم ) [ النساء : 140 ] . قاله مجاهد والسدي وابن جريج ، وغيرهم . وعلى قولهم ، يكون قوله : ( ولكن ذكرى لعلهم يتقون ) أي : ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه ; لعلهم يتقون ذلك ، ولا يعودون إليه .
القول في تأويل قوله : وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن اتقى الله فخافه، فأطاعه فيما أمره به، واجتنب ما نهاه عنه, فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات الله في حال خوضهم في آيات الله، شيء من تبعة فيما بينه وبين الله, إذا لم يكن تركه الإعراضَ عنهم رضًا بما هم فيه، وكان لله بحقوقه متقيًا, (1) ولا عليه من إثمهم بذلك حرج, ولكن ليعرضوا عنهم حينئذ ذكرى لأمر الله =" لعلهم يتقون "، يقول: ليتقوا.
* * *
ومعنى " الذكرى "، الذكرُ. و " الذكر " و " الذكرى " بمعنًى.
* * *
وقد يجوز أن يكون " ذكرى " في موضع نصب ورفع:
فأما النصب، فعلى ما وصفت من تأويل: ولكن ليعرضوا عنهم ذكرى.
وأما الرفع، فعلى تأويل: وما على الذين يتقون من حسابهم شيء بترك الإعراض, ولكن إعراضهم ذكرى لأمر الله لعلهم يتقون. (2)
* * *
وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالقيام عن المشركين إذا خاضوا في آيات الله, لأن قيامه عنهم كان مما يكرهونه, فقال الله له: إذا خاضوا في آيات الله فقم عنهم، ليتقوا الخوضَ فيها ويتركوا ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
13396 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه, فإذا سمعوا استهزءوا, فنـزلت: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، الآية، قال: فجعل إذا استهزءوا قام، فحذروا وقالوا لا تستهزءوا فيقوم! فذلك قوله: " لعلهم يتقون "، أن يخوضوا فيقوم، ونـزل: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، إن قعدوا معهم, ولكن لا تقعدوا. ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة: وَقَدْ نَـزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ، [سورة النساء: 140] , فنسخ قولَه: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، الآية.
13397 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، يقول: من حساب الكفار من شيء =" ولكن ذكرى "، يقول: إذا ذكرت فقم =" لعلهم يتقون " مساءتكم، إذا رأوكم لا تجالسونهم استحيوا منكم، فكفوا عنكم. ثم نسخها الله بعد, فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدًا، قال: وَقَدْ نَـزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا ، الآية .
13398 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، إن قعدوا, ولكن لا تقعد .
13399- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد , مثله .
13400 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي مالك: " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى "، قال: وما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك.
-----------------
الهوامش :
(1) هكذا في المخطوطة أيضا"بحقوقه متقيًا" ، وأرجح أن تكون: "بخوفه متقيًا" ، ولم أغيرها لأن الأخرى تكاد تكون جائزة.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 339.