تفسير الآية 37 من سورة الأنعام من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
سورة الأنعام : 37القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 37 من سورة الأنعام بالمصحف الشريف:
وقال المشركون مُتَعَنِّتينَ ومُماطِلين بالإيمان: هلَّا أُنزِل على محمد آية خارقة تكون برهانًا من ربه على صدقه فيما جاء به؟ قل - أيها الرسول -: إن الله قادر على تنزيل آية حسبما يريدون، ولكن أكثر هؤلاء المشركين المطالبين بإنزال آية لا يعلمون أن إنزال الآيات يكون وفق حكمته تعالى، وليس وفق ما يطالبون به، فلو أنزلها ثم لم يؤمنوا لأهلكهم.
وقال المشركون -تعنتًا واستكبارًا-: هلا أنزل الله علامة تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم من نوع العلامات الخارقة، قل لهم -أيها الرسول-: إن الله قادر على أن ينزل عليهم آية، ولكن أكثرهم لا يعلمون أن إنزال الآيات إنما يكون وَفْق حكمته تعالى.
{ وَقَالُوا } أي: المكذبون بالرسول، تعنتا وعنادا: { لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ } يعنون بذلك آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة. كقولهم: { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا *أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا } الآيات. { قُلْ } مجيبا لقولهم: { إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً } فليس في قدرته قصور عن ذلك، كيف، وجميع الأشياء منقادة لعزته، مذعنة لسلطانه؟! ولكن أكثر الناس لا يعلمون فهم لجهلهم وعدم علمهم يطلبون ما هو شر لهم من الآيات، التي لو جاءتهم، فلم يؤمنوا بها لعوجلوا بالعقاب، كما هي سنة الله، التي لا تبديل لها، ومع هذا، فإن كان قصدهم الآيات التي تبين لهم الحق، وتوضح السبيل، فقد أتى محمد صلى الله عليه وسلم، بكل آية قاطعة، وحجة ساطعة، دالة على ما جاء به من الحق، بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين، أن يجد فيما جاء به عدة أدلة عقلية ونقلية، بحيث لا تبقي في القلوب أدنى شك وارتياب، فتبارك الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأيده بالآيات البينات ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
قوله عز وجل : ( وقالوا ) يعني : رؤساء قريش ، ( لولا ) هلا ( نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون ) ما عليهم في إنزالها .
يقول تعالى مخبرا عن المشركين أنهم كانوا يقولون : ( لولا نزل عليه آية من ربه ) أي : خارق على مقتضى ما كانوا يريدون ، ومما يتعنتون كما قالوا : ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) الآيات [ الإسراء : 90 ] .
( قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أي : هو تعالى قادر على ذلك ، ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك ; لأنه لو أنزلها وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا ، لعاجلهم بالعقوبة ، كما فعل بالأمم السالفة ، كما قال تعالى : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) [ الإسراء : 59 ] ، وقال تعالى : ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ) [ الشعراء : 4 ] .
القول في تأويل قوله : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم، المعرضون عن آياته: " لولا نزل عليه آية من ربه " ، يقول: قالوا: هلا نـزل على محمد آية من ربه؟ (4) كما قال الشاعر: (5)
تَعُـدُّونَ عَقْـرَ النِّيـبِ أَفْضَـل مَجْدِكُمْ
بَنِـي ضَوْطَـرَي, لَـولا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا (6)
بمعنى: هلا الكميَّ.
* * *
و " الآية "، العلامة. (7)
* * *
وذلك أنهم قالوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْـزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا [سورة الفرقان : 7،8] . قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لقائلي هذه المقالة لك: " إنّ الله قادر على أن ينزل آية ", يعني: حجة على ما يريدون ويسألون=" ولكن أكثرهم لا يعلمون " ، يقول: ولكن أكثر الذين يقولون ذلك فيسألونك آية, (8) لا يعلمون ما عليهم في الآية إن نـزلها من البلاء, ولا يدرون ما وجه ترك إنـزال ذلك عليك, ولو علموا السبب الذي من أجله لم أنـزلها عليك، لم يقولوا ذلك، ولم يسألوكه, ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.
------------------
الهوامش :
(4) انظر تفسير"لولا" فيما سلف 2: 552 ، 553/10 : 448/ 11 : 262 ،
(5) هو جرير.
(6) مضى البيت وتخريجه وتفسيره وصواب نسبته فيما سلف 2: 552 ، 553.
(7) انظر تفسير"الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(8) في المخطوطة: "ولكن أكثرهم الذين يقولون" ، والجيد ما في المطبوعة.