تفسير الآية 34 من سورة الأنعام من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ
سورة الأنعام : 34القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 34 من سورة الأنعام بالمصحف الشريف:
ولا تحسب أن هذا التكذيب خاص بما جئت به، فقد كُذِّبَتْ رسل من قبلك، وآذاهم أقوامهم، فواجهوا ذلك بالصبر على الدعوة والجهاد في سبيل الله حتى جاءهم النصر من الله، ولا مُبدِّل لما كتبه الله من النصر، ووعد به رسله، ولقد جاءك - أيها الرسول - من أخبار من قبلك من الرسل وما لاقوه من أقوامهم وما حباهم الله من النصر على أعدائهم بإهلاكهم.
ولقد كذَّب الكفارُ رسلا من قبلك أرسلهم الله تعالى إلى أممهم وأوذوا في سبيله، فصبروا على ذلك ومضوا في دعوتهم وجهادهم حتى أتاهم نصر الله. ولا مبدل لكلمات الله، وهي ما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مِن وعده إياه بالنصر على مَن عاداه. ولقد جاءك -أيها الرسول- مِن خبر مَن كان قبلك من الرسل، وما تحقق لهم من نصر الله، وما جرى على مكذبيهم من نقمة الله منهم وغضبه عليهم، فلك فيمن تقدم من الرسل أسوة وقدوة. وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا. { وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } ما به يثبت فؤادك، ويطمئن به قلبك.
( ولقد كذبت رسل من قبلك ) كذبهم قومهم كما كذبتك قريش ، ( فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) بتعذيب من كذبهم ، ( ولا مبدل لكلمات الله ) لا ناقض لما حكم به ، وقد حكم في كتابه بنصر أنبيائه عليهم السلام ، فقال : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) ( الصافات ، 171 - 172 ) ، وقال : ( إنا لننصر رسلنا ) ( غافر ، 51 ) وقال : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) ( المجادلة ، 21 ) ، وقال الحسن بن الفضل : لا خلف [ لعداته ] ( ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) و ( من ) صلة كما تقول : أصابنا من مطر .
وقوله ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ) هذه تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعزية له فيمن كذبه من قومه ، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ووعد له بالنصر كما نصروا ، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة ، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ ، ثم جاءهم النصر في الدنيا ، كما لهم النصر في الآخرة ; ولهذا قال : ( ولا مبدل لكلمات الله ) أي : التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين ، كما قال : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) [ الصافات : 171 - 173 ] ، وقال تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ] .
وقوله : ( ولقد جاءك من نبإ المرسلين ) أي : من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم ، فلك فيهم أسوة وبهم قدوة .
القول في تأويل قوله : وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)
قال أبو جعفر: وهذا تسلية من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وتعزيةٌ له عما ناله من المساءة بتكذيب قومه إيّاه على ما جاءهم به من الحق من عند الله .
يقول تعالى ذكره: إن يكذبك، يا محمد، هؤلاء المشركون من قومك, فيجحدوا نبوّتك, وينكروا آيات الله أنّها من عنده, فلا يحزنك ذلك, واصبر على تكذيبهم إياك وما تلقى منهم من المكروه في ذات الله, حتى يأتي نصر الله, (31) فقد كُذبت رسلٌ من قبلك أرسلتهم إلى أممهم، فنالوهم بمكروه, فصبروا على تكذيب قومهم إياهم، ولم يثنهم ذلك من المضيّ لأمر الله الذي أمرهم به من دعاء قومهم إليه, حتى حكم الله بينهم وبينهم =" ولا مبدّل لكلمات الله " ، يقول: ولا مغيِّر لكلمات الله = و " كلماته " تعالى ذكره: ما أنـزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، من وعده إياه النصر على من خَالفه وضادّه, والظفرَ على من تولّى عنه وأدبر =" ولقد جاءك من نبإ المرسلين " ، يقول: ولقد جاءك يا محمد، من خبر من كان قبلك من الرسل، (32) وخبر أممهم, وما صنعتُ بهم = حين جحدوا آياتي وتمادَوا في غيهم وضلالهم = أنباء = وترك ذكر " أنباء " ، لدلالة " مِنْ" عليها.
يقول تعالى ذكره: فانتظر أنت أيضًا من النصرة والظفر مثل الذي كان منِّي فيمن كان قبلك من الرسل إذ كذبهم قومهم, واقتد بهم في صبرهم على ما لَقُوا من قومهم.
* * *
وبنحو ذلك تأوَّل من تأوَّل هذه الآية من أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
13198 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا "، يعزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم كما تسمعون, ويخبره أن الرسل قد كُذّبت قبله، فصبروا على ما كذبوا، حتى حكم الله وهو خير الحاكمين .
13199 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: " ولقد كذبت رسل من قبلك " ، قال: يعزّي نبيَّه صلى الله عليه وسلم .
13200 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: " ولقد كذبت رسل من قبلك " ، الآية، قال: يعزِّي نبيّه صلى الله عليه وسلم .
---------------------------
الهوامش :
(31) إذ في المخطوطة: "حتى أتاهم نصر الله" ، وهو سهو من الناسخ ، صوابه ما في المطبوعة.
(32) انظر تفسير"النبأ" فيما سلف ص: 262 ، تعليق: 3 ، والمراجع.