تفسير الآية 17 من سورة الأنعام من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
سورة الأنعام : 17القول في تأويل وتفسير قوله تعالى وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 17 من سورة الأنعام بالمصحف الشريف:
وإن يَنَلْكَ - يا ابن آدم - من الله بلاء فلا دافع للبلاء عنك إلا الله، وإن يَنَلْكَ منه خير فلا مانع له من ذلك، ولا رَادَّ لفضله، فهو القادر على كل شيء، لا يعجزه شيء.
وإن يصبك الله تعالى -أيها الإنسان- بشيء يضرك كالفقر والمرض فلا كاشف له إلا هو، وإن يصبك بخير كالغنى والصحة فلا راد لفضله ولا مانع لقضائه، فهو -جل وعلا- القادر على كل شيء.
ومن أدلة توحيده، أنه تعالى المنفرد بكشف الضراء، وجلب الخير والسراء. ولهذا قال: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ } من فقر، أو مرض، أو عسر، أو غم، أو هم أو نحوه. { فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فإذا كان وحده النافع الضار، فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية.
قوله عز وجل : ( وإن يمسسك الله بضر ) بشدة وبلية ، ( فلا كاشف له ) لا رافع ، ( إلا هو وإن يمسسك بخير ) عافية ونعمة ، ( فهو على كل شيء قدير ) من الخير والضر .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو عبد الله السلمي أنا أبو العباس الأصم أنا أحمد بن شيبان الرملي أنا عبد الله بن ميمون القداح أنا شهاب بن خراش ، [ هو ابن عبد الله ] عن عبد الملك بن عمير عن ابن عباس قال : أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة ، أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر ، ثم أردفني خلفه ، ثم سار بي مليا ثم التفت إلي فقال : يا غلام ، فقلت : لبيك يا رسول الله ، قال : " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وقد مضى القلم بما هو كائن ، فلو جهد الخلائق أن ينفعوك بما لم يقضه الله تعالى لك لم يقدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضروك بما لم يكتب الله تعالى عليك ، ما قدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين ، فافعل فإن لم تستطع فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن مع الكرب الفرج ، وأن مع العسر يسرا " .
يقول تعالى مخبرا أنه مالك الضر والنفع ، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ) كما قال تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ) الآية [ فاطر : 2 ] وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد "
القول في تأويل قوله : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد, إن يصبك الله (38) =" بضر ", يقول: بشدة في دنياك، وشظَف في عيشك وضيق فيه, (39) فلن يكشف ذلك عنك إلا الله الذي أمرك أن تكون أوّل من أسلم لأمره ونهيه, وأذعن له من أهل زمانك, دون ما يدعوك العادلون به إلى عبادته من الأوثان والأصنام، ودون كل شيء سواها من خلقه =" وإن يمسسك بخير "، يقول: وإن يصبك بخير، أي: برخاء في عيش، وسعة في الرزق، وكثرة في المال، فتقرّ أنه أصابك بذلك =" فهو على كل شيء قدير " ، يقول تعالى ذكره: والله الذي أصابك بذلك، فهو على كل شيء قدير (40) هو القادر على نفعك وضرِّك, وهو على كل شيء يريده قادر, لا يعجزه شيء يريده، ولا يمتنع منه شيء طلبه, ليس كالآلهة الذليلة المَهينة التي لا تقدر على اجتلاب نفع على أنفسها ولا غيرها، ولا دفع ضر عنها ولا غيرها. يقول تعالى ذكره: فكيف تعبد من كان هكذا، أم كيف لا تخلص العبادة, وتقرُّ لمن كان بيده الضر والنفع، والثواب والعقاب، وله القدرة الكاملة، والعزة الظاهرة؟
------------
الهوامش :
(38) انظر تفسير"المس" فيما سلف 10: 482 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(39) انظر تفسير"الضر" فيما سلف 7: 157/10 : 334.
(40) انظر تفسير"قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر).