قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ

سورة الأنعام : 135

القول في تأويل وتفسير قوله تعالى قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 135 من سورة الأنعام بالمصحف الشريف:

تفسير المختصر سورة الأنعام الآية 135

قل - أيها الرسول -: يا قوم اثبتوا على طريقتكم وما أنتم عليه من الكفر والضلال، فقد أعذرت وأقمت الحجة عليكم بالبلاغ المبين، فلست مباليًا بكفركم وضلالكم، بل سأثبت على ما أنا عليه من الحق، فستعلمون من يكون له النصر في الدنيا، ومن يرث الأرض، ومن له الدار الآخرة، إنه لا يفوز المشركون لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل عاقبتهم الخسران، وإن تمتعوا بما تمتعوا به في الدنيا.

تفسير المُيسّر سورة الأنعام الآية 135

قل -أيها الرسول-: يا قوم اعملوا على طريقتكم فإني عامل على طريقتي التي شرعها لي ربي جل وعلا فسوف تعلمون -عند حلول النقمة بكم- مَنِ الذي تكون له العاقبة الحسنة؟ إنه لا يفوز برضوان الله تعالى والجنة مَن تجاوز حده وظلم، فأشرك مع الله غيره.

تفسير السعدي سورة الأنعام الآية 135

{ قُلْ } يا أيها الرسول لقومك إذا دعوتهم إلى الله، وبينت لهم ما لهم وما عليهم من حقوقه، فامتنعوا من الانقياد لأمره، واتبعوا أهواءهم، واستمروا على شركهم: { يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ } أي: على حالتكم التي أنتم عليها، ورضيتموها لأنفسكم. { إِنِّي عَامِلٌ } على أمر الله، ومتبع لمراضي الله. { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ } أنا أو أنتم، وهذا من الإنصاف بموضع عظيم، حيث بيَّن الأعمال وعامليها، وجعل الجزاء مقرونا بنظر البصير، ضاربا فيه صفحا عن التصريح الذي يغني عنه التلويح. وقد علم أن العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة للمتقين، وأن المؤمنين لهم عقبى الدار، وأن كل معرض عما جاءت به الرسل، عاقبته سوء وشر، ولهذا قال: { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } فكل ظالم، وإن تمتع في الدنيا بما تمتع به، فنهايته [فيه] الاضمحلال والتلف "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"

تفسير البغوي سورة الأنعام الآية 135

( قل ) يا محمد ( يا قوم اعملوا على مكانتكم ) قرأ أبو بكر عن عاصم ( مكاناتكم ) بالجمع حيث كان أي : على تمكنكم ، قال عطاء : على حالاتكم التي أنتم عليها . قال الزجاج : اعملوا على ما أنتم عليه . يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حالة : على مكانتك يا فلان ، أي : اثبت على ما أنت عليه ، وهذا أمر وعيد على المبالغة يقول : قل لهم : اعملوا على ما أنتم عاملون ، ( إني عامل ) ما أمرني به ربي - عز وجل - ، ( فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار ) أي : الجنة ، قرأ حمزة والكسائي : يكون بالياء هنا وفي القصص ، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث العاقبة ، ( إنه لا يفلح الظالمون ) قال ابن عباس : معناه لا يسعد من كفر بي وأشرك . قال الضحاك : لا يفوز .

تفسير ابن كثير سورة الأنعام الآية 135

وقوله تعالى : ( قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون ) هذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، أي : استمروا على طريقكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى ، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي ، كما قال تعالى : ( وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون ) [ هود : 121 ، 122 ] .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( على مكانتكم ) أي : ناحيتكم .
( فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون ) أي : أتكون لي أو لكم وقد أنجز موعده له ، صلوات الله عليه ، فإنه تعالى مكن له في البلاد ، وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد ، وفتح له مكة ، وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه ، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب ، وكذلك اليمن والبحرين ، وكل ذلك في حياته . ثم فتحت الأمصار والأقاليم والرساتيق بعد وفاته في أيام خلفائه ، رضي الله عنهم أجمعين ، كما قال الله تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) [ المجادلة : 20 ] ، وقال ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ غافر : 51 ، 52 ] ، وقال تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [ الأنبياء : 105 ] ، وقال تعالى إخبارا عن رسله : ( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) [ إبراهيم : 13 ، 14 ] ، وقال تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) الآية [ النور : 55 ] ، وقد فعل الله تعالى ذلك بهذه الأمة ، وله الحمد والمنة أولا وآخرا ، باطنا وظاهرا .

تفسير الطبري سورة الأنعام الآية 135

القول في تأويل قوله : قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قل "، يا محمد، لقومك من قريش الذين يجعلون مع الله إلها آخر=: (اعملوا على مكانتكم)، يقول: اعملوا على حِيالكم وناحيتكم . كما:-
13898- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (يا قوم اعملوا على مكانتكم)، يعني: على ناحيتكم .
* * *
يقال منه: " هو يعمل على مكانته، ومَكِينته " .
* * *
وقرأ ذلك بعض الكوفيين: " عَلَى مَكَانَاتِكُمْ"، على جمع " المكانة ".
* * *
قال أبو جعفر: والذي عليه قرأة الأمصار: (عَلَى مَكَانَتِكُمْ)، على التوحيد .
* * *
=(إني عامل)، يقول جل ثناؤه، لنبيه: قل لهم: اعملوا ما أنتم عاملون, فإني عامل ما أنا عامله مما أمرني به ربي =(فسوف تعلمون)، يقول: فسوف تعلمون عند نـزول نقمة الله بكم, أيُّنا كان المحقّ في عمله، والمصيب سبيلَ الرشاد, أنا أم أنتم.
وقوله تعالى ذكره لنبيه: قل لقومك: (يا قوم اعملوا على مكانتكم)، أمرٌ منه له بوعيدهم وتهدّدهم, لا إطلاقٌ لهم في عمل ما أرادُوا من معاصي الله .
* * *
القول في تأويل قوله : مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (من تكون له عاقبة الدار)، فسوف تعلمون، أيها الكفرة بالله، عند معاينتكم العذابَ, مَن الذي تكون له عاقبة الدار منا ومنكم. (10) يقول: من الذي تُعْقبه دنياه ما هو خير له منها أو شر منها، (11) بما قدَّم فيها من صالح أعماله أو سَيّئها .
ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه فقال: (إنه لا يفلح الظالمون)، يقول: إنه لا ينجح ولا يفوز بحاجته عند الله مَنْ عمل بخلاف ما أمره الله به من العمل في الدنيا (12) = وذلك معنى: " ظلم الظالم "، في هذا الموضع . (13)
* * *
وفي" من " التي في قوله: (من تكون)، له وجهان من الإعراب:
= الرفع على الابتداء.
= والنصبُ بقوله: (تعلمون)، ولإعمال " العلم " فيه.
والرفع فيه أجود, لأن معناه: فسوف تعلمون أيُّنا له عاقبة الدار؟ فالابتداء في" من "، أصحُّ وأفصح من إعمال " العلم " فيه . (14)
* * *
---------------------
الهوامش :
(10) انظر تفسير (( العاقبة )) فيما سلف 11: 272 ، 273 .
(11) في المطبوعة : (( من الذي يعقب دنياه )) ، والذي في المخطوطة هو الصواب .
(12) انظر تفسير (( الفلاح )) فيما سلف 11 : 296 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .
(13) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلم ) .
(14) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 355 .