تفسير الآية 102 من سورة الأنعام من القرآن الكريم، تتضمن تفاسير لعدة مفسرين مشهورين مثل تفسير المختصر, تفسير المُيسّر, تفسير السعدي, تفسير البغوي, تفسير ابن كثير, تفسير الطبري.
ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
سورة الأنعام : 102القول في تأويل وتفسير قوله تعالى ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، لأشهر المفسرين نضع بين أيديكم تفسير الآية 102 من سورة الأنعام بالمصحف الشريف:
ذلكم - أيها الناس - المتصف بتلك الصفات هو ربكم، فلا رب لكم غيره، ولا معبود بحق غيره، وهو موجد كل شيء، فاعبدوه وحده، فهو المستحق للعبادة، وهو على كل شيء حفيظ.
ذلكم -أيها المشركون- هو ربكم جل وعلا لا معبود بحق سواه، خالق كل شيء فانقادوا واخضعوا له بالطاعة والعبادة. وهو سبحانه على كل شيء وكيل وحفيظ، يدبر أمور خلقه.
ذلكم الذي خلق ما خلق، وقدر ما قدر. { اللَّهُ رَبُّكُمْ }أي: المألوه المعبود، الذي يستحق نهاية الذل، ونهاية الحب، الرب، الذي ربى جميع الخلق بالنعم، وصرف عنهم صنوف النقم. { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ } أي: إذا استقر وثبت، أنه الله الذي لا إله إلا هو، فاصرفوا له جميع أنواع العبادة، وأخلصوها لله، واقصدوا بها وجهه. فإن هذا هو المقصود من الخلق، الذي خلقوا لأجله { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي: جميع الأشياء، تحت وكالة الله وتدبيره، خلقا، وتدبيرا، وتصريفا. ومن المعلوم، أن الأمر المتصرف فيه يكون استقامته وتمامه، وكمال انتظامه، بحسب حال الوكيل عليه. ووكالته تعالى على الأشياء، ليست من جنس وكالة الخلق، فإن وكالتهم، وكالة نيابة، والوكيل فيها تابع لموكله. وأما الباري، تبارك وتعالى، فوكالته من نفسه لنفسه، متضمنة لكمال العلم، وحسن التدبير والإحسان فيه، والعدل، فلا يمكن لأحد أن يستدرك على الله، ولا يرى في خلقه خللا ولا فطورا، ولا في تدبيره نقصا وعيبا. ومن وكالته: أنه تعالى، توكل ببيان دينه، وحفظه عن المزيلات والمغيرات، وأنه تولى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل إيمانهم ودينهم.
( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ) فأطيعوه ، ( وهو على كل شيء وكيل ) بالحفظ له وبالتدبير فيه ، ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) الآية ، يتمسك أهل الاعتزال بظاهر هذه الآية في نفي رؤية الله عز وجل عيانا .
ومذهب أهل السنة : إثبات رؤية الله عز وجل عيانا جاء به القرآن والسنة ، قال الله تعالى : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " ، ( القيامة ، 23 ) ، وقال : " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " ( المطففين ، 15 ) ، قال مالك رضي الله عنه : لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الله الكفار بالحجاب ، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم : " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " ( يونس ، 26 ) ، وفسره بالنظر إلى وجه الله عز وجل .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي أنا أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنكم سترون ربكم عيانا " .
يقول تعالى : ( ذلكم الله ربكم ) أي : الذي خلق كل شيء ولا ولد له ولا صاحبة ، ( لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ) فاعبدوه وحده لا شريك له ، وأقروا له بالوحدانية ، وأنه لا إله إلا هو ، وأنه لا ولد له ولا والد ، ولا صاحبة له ولا نظير ولا عديل ( وهو على كل شيء وكيل ) أي : حفيظ ورقيب يدبر كل ما سواه ، ويرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار .
القول في تأويل قوله تعالى : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم, هو الله ربكم، أيها العادلون بالله الآلهة والأوثان, والجاعلون له الجن شركاء, وآلهتكم التي لا تملك نفعًا ولا ضرًا، ولا تفعل خيرًا ولا شرًا=" لا إله إلا هو ".
وهذا تكذيبٌ من الله جل ثناؤه للذين زعموا أن الجن شركاء الله. يقول جل ثناؤه لهم: أيها الجاهلون، إنه لا شيء له الألوهية والعبادة، إلا الذي خلق كل شيء, وهو بكل شيء عليم, فإنه لا ينبغي أن تكون عبادتكم وعبادةُ جميع من في السماوات والأرض إلا له خالصة بغير شريك تشركونه فيها, فإنه خالق كل شيء وبارئه وصانعه, وحق على المصنوع أن يفرد صانعه بالعبادة=" فاعبدوه "، يقول: فذلُّوا له بالطاعة والعبادة والخدمة, واخضعوا له بذلك . (1) =
" وهو على كل شيء وكيل "، يقول: والله على كل ما خلق من شيء رقيبٌ وحفيظ، يقوم بأرزاق جميعه وأقواته وسياسته وتدبيره وتصريفه بقدرته . (2)
----------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير (( العبادة )) فيما سلف من فهارس اللغة ( عبد ) .
(2) انظر تفسير (( وكيل )) فيما سلف 11 : 434 تعليق : 1 ، راجع هناك .